للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانوا في أشد الحاجة إلى استجابة الله لدعائهم، فهم في ضر، ما بعده ضر، إذ لا حول لهم ولا قوة في دفع ما هم فيه ونجاتهم من الموت إلا الدعاء، فرأوا أن أرجى ما يتوسّل به إلى الله أعمالهم الصالحة، ولو كانوا يرون شيئا أنفع وأرجى في استجابة الدعاء لتوسلوا بها.

[٢) التوسل بأسماء الله وصفاته:]

قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الأعراف: ١٨٠] ، وقد مر قريبا ضرب الأمثلة على ذلك في سياق الحديث عن آداب الدعاء، وهنا أقول: إن على الداعي أن يلتمس المناسب من أسماء الله وصفاته للدعاء الذي يدعو به، فلا يدعو ويقول: (اللهم أهلك الكافرين إنك أنت الغفور الرحيم) . والمناسب أن يتوسل في هذا الدعاء بصفات العزة والحكمة والقوة، فيقول: إنك أنت القوي الحكيم، أو العزيز الحكيم، وهكذا.

[الفائدة التاسعة:]

من آداب الدعاء، رفع العبد يديه إلى السماء؛ لأن ذلك من علامات الخضوع والذل والافتقار، كالفقير الذي يمد يديه إلى أحد الأغنياء، وقد وردت أحاديث برفع اليدين بالدعاء، كحديث الباب، والحديث الذي رواه مسلم عن عمر بن الخطاب، وفيه: (فاستقبل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثمّ مدّ يديه فجعل يهتف بربّه: «اللهمّ أنجز لي ما وعدتني اللهمّ آت ما وعدتني» «١» ، وهذه حجة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقتصر على رفع يديه في دعاء الاستسقاء فقط، بل في دعاء الباب أنه رفع يديه بطلب الاستصحاء، وعلمنا من هذا الأدب أن السماء هي قبلة الداعي.

[المثال الرابع:]

عن أنس رضي الله عنه قال: دخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم على أمّ سليم فأتته بتمر وسمن قال: «أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه فإنّي صائم» ثمّ قام إلى ناحية من البيت فصلّى غير المكتوبة فدعا لأمّ سليم وأهل بيتها فقالت أمّ سليم: يا رسول الله إنّ لي خويصة قال: «ما هي؟» قالت: خادمك أنس فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلّا دعا لي به قال:

«اللهمّ ارزقه مالا وولدا وبارك له فيه» فإنّي لمن أكثر الأنصار مالا وحدّثتني ابنتي أمينة أنّه دفن لصلبي مقدم حجّاج البصرة بضع وعشرون ومائة) «٢» .


(١) رواه مسلم، كتاب الجهاد، باب: الإمداد بالملائكة في غزوة بدر ... ، برقم (١٧٦٣) .
(٢) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب: من زار قوما فلم يفطر عندهم، برقم (١٩٨٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>