للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- كان صلّى الله عليه وسلّم يدعو إلى الله وحده، وما كان يدعو إلى نفسه، فلو كان يدعو إلى نفسه لذموه بذلك، فهو أبلغ في التشنيع، لعدم اختلاف الناس في قبح هذا الفعل، كما علمنا أيضا من مقولة كفار مكة، أنه صلّى الله عليه وسلّم ما طلب منهم أجرا على ذلك، لأنه كان يكفي أن يتهموه بذلك لينفضّ الناس من حوله، بدلا من أن يتهموه أنه يدعو إلى التوحيد.

٣- كما أن من أوجه تزكية النبي صلّى الله عليه وسلّم المستنبطة من مقولة الكافرين، أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يعرف عنه أبدا أنه عبد الأصنام قبل البعثة؛ لأن الكفار لو علموا عنه ذلك لعيروه صلّى الله عليه وسلّم أنه ترك ما كان يعبد من قبل وأنه كفر بما كان يعبد، أو أنه هو الذي تحول عما اجتمعوا عليه من قبل، والذي يظهر جليّا أن الكفار لم يجدوا ما يذمون به النبي صلّى الله عليه وسلّم أو ينتقصونه به أو ما ينقضون به رسالته صلّى الله عليه وسلّم فذهبوا يتخبطون فاتهموه بما كان له ثناء ومدحا من كل وجه، وهو أنه كان يدعو إلى التوحيد.

الفائدة الثّانية:

ظهور سفه الكفار وخفة عقولهم، وبيان ذلك:

١- اتهامهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بما يزكيه أبلغ تزكية ويرفع من قدره عند الله وعند الناس، وهو أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يدعو إلى التوحيد.

٢- إنكارهم لدعوة التوحيد رغم كل الأدلة العقلية والشرعية التي تليت عليهم آناء الليل وآناء النهار، ومما يزيد من سفههم ويؤكد خفة عقولهم أن جعلوا هذه الدعوة أمرا عجيبا فحقيق بالناس أن يتعجبوا منه، وجهلوا أن تلك دعوة إبراهيم عليه السّلام، التي تدعي كل أمة الانتساب إليه، لشرفه وكمال دعوته إلى التوحيد.

١٢- تزكية كل أحواله صلّى الله عليه وسلّم:

قال تعالى: إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) [يس: ٣- ٤] .

لم يكتف القرآن العظيم بتزكية لسان النبي صلّى الله عليه وسلّم، وبصره وفؤاده ودعوته وأخلاقه الفاضلة، بل زكى القرآن الكريم كل أحواله صلّى الله عليه وسلّم بأن أثبت له صلّى الله عليه وسلّم أنه على صراط مستقيم، ولم تكن هذه هي التزكية الوحيدة لأحوال النبي صلّى الله عليه وسلّم بل جاءت على نسقها تزكيات متعددة، منها على سبيل المثال قول الحق- تبارك وتعالى-: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ [النمل:

٧٩] ، فوصف القرآن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه على الحق المبين، دون تخصيص هذا الوصف بأمر معين:

قد أفادنا أن هذا الوصف قد انسحب على كل ما يتعلق بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، فكان صلّى الله عليه وسلّم على الحق- الذي لا يخالطه أدنى باطل- في عباداته وعاداته، فيما يقول وفيما يحكم، وفيما يعتقد

<<  <  ج: ص:  >  >>