ويتفرع عليه أيضا، ضرورة اعترافنا بمنة الله علينا أن جعلنا، بفضله وكرمه، أتباعا للنبي صلّى الله عليه وسلّم الذي اصطفاه واجتباه وفضله على الأولين والآخرين، وعلينا أيضا، تعظيم هذا النبي الكريم في قلوبنا وتقديمه على كل ما نحب من أموال وأولاد ودنيا؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم أهل لذلك، وبسببه تشرفنا بالصلاة قبل أطهر بقاع الأرض وأشرفها، وهو المسجد الحرام.
وخلاصة القول أن الله تعالى، قد أرضى نبيه في الدنيا، أن جعل قبلته المسجد الحرام، كما أرضاه في الآخرة، في قوله تعالى في الحديث القدسي:«إنا سنرضيك في أمتك» . وهو الحديث التالي، فماذا بعد الإرضاء في الدنيا والآخرة، وهل من شرف بعد هذا الشرف، وإذا كان الإرضاء في حديث الباب مقيدا بالتوجه نحو البيت الحرام، وفي حديث الباب التالي مقيدا بإدخال أمته الجنة، وعدم تخليد أحد منها في النار، فإن آية سورة الضحى عامة في الإرضاء، فيدخل فيها جميع ما يرضيه ويفرحه ويسعده ويقرّ عينه صلّى الله عليه وسلّم قال تعالى:
إثبات أن في شرع الله- سبحانه وتعالى-، ما هو حسن وما هو أحسن، فالتوجه قبل بيت المقدس حسن، ولكن التوجه قبل البيت الحرام هو الأحسن؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما كان له أن يتطلع إلا إلى ما هو أحسن، وما كان الشرع ليأمرنا بأقل مما هو حسن، وقد نص القرآن على وجود الحسن والأحسن، في قوله تعالى: وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الزمر: من الآية ٥٥] ، ولو لم يكن هناك الحسن في الشرع، ما كان هناك معنى للأمر باتباع الأحسن، ولأمرنا بمطلق اتباع ما جاء به الشرع. كما أن في قوله تعالى:
ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [البقرة: من الآية ١٠٦] ، دليل آخر على الحسن والأحسن.
[الفائدة الثانية:]
إثبات النسخ في شرع الله، حيث نسخ حكم التوجه قبل المسجد الأقصى، إلى التوجه قبل المسجد الحرام، قال تعالى: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: من الآية ١٤٤] .
[أقسام النسخ]
وللنسخ أقسام هي:
١- نسخ الحكم إلى ما هو أصعب:
ومثاله قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى [النساء: من الآية ٤٣] ، حيث كان شرب الخمر مباحا بالأصل، فنسخ بقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ