رباه الله- عز وجل- على الصبر وتحمل الصعاب، ليأخذ من الأجر والثواب ما يسبق به الأولين والآخرين سواء من النبيين أو المقربين، أضف على ذلك انقطاع الوحي عنه طيلة حديث الناس عن أم المؤمنين، وكان يمكن أن ينزل الوحي من أول يوم ليعلن براءتها، بل كان من الممكن أن ينزل الوحي ببراءتها قبل وقوع الحادثة، وهذا يحدث في القرآن كثيرا، ولكن الله- عز وجل- لحكمة يعلمها، أراد أن يكتمل عقد البلاء على النبي صلى الله عليه وسلم فحبس عنه الوحي، فيكثر الخوض من الذين لم يعصمهم الله- عز وجل- ويتأكد الخبر في القلوب المريضة، وهذا ما أردته في عنوان الباب بقولي:(صبره على أقدار الله المؤلمة) ، وهو انحباس الوحي، وذلك علمناه من قول عائشة رضي الله عنها في الحديث:(فدعا رسول الله على بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما) ، واستلبث أي أبطأ ولم ينزل. ولكن كانت المنحة بعد المحنة، وهو ما ستراه مبسوطا- بحول الله تعالى في العبر والدروس المستفادة والتي أسردها بحسب تسلسل الواقعة لا من حيث الأهمية وفيها:
[الدرس الأول: القرعة بين النساء في الخروج لغزو أو غيره]
، وهذا يطيب خاطرهن، ويحقق العدل في معاملتهن، وهذا ما كان يحرص عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته.
[الدرس الثاني: قولها:]
(فخرجت معه بعد ما أنزل الحجاب فأنا أحمل في هودج) ، نعلم من ذلك أن الهودج كان بمثابة تمام الحجاب في حق أمهات المؤمنين؛ لأن عائشة رضي الله عنها، إنما بررت حملها في الهودج، بنزول الحجاب.
[الدرس الثالث: قولها:]
(حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني) ، فيه أن من يريد قضاء حاجته، عليه أن يذهب بعيدا حتى لا يراه أحد ولا يؤذي أحدا برائحة ونحوها، وفيه أيضا ما كان عليه الصحابة من عفة لسان فتقول عن قضاء الحاجة والذهاب إلى الغائط، (فلما قضيت شأني) ، وهذا يدل على كمال الأدب وعظيم التربية، فإذا كان هذا في حفظ اللسان، فهم رضي الله عنهم للأعراض أحفظ، وهذا ليس بغريب ممن رباه القرآن الكريم وأدبه، ألم تسمع لقوله تعالى: فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً [الأعراف: ١٨٩] ، وقوله تعالى: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ [البقرة: ١٨٧] ، وقوله- سبحانه وتعالى-: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها [الأحزاب: ٣٧] . بل انظر إلى قمة العفة والتربية الربانية: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة: ٢٢٣] . فما بال بعضنا وصل في الكلام إلى كل ما هو قبيح ومبتذل، في الألفاظ والعبارات، قد خلع برقع الحياء، لا يتغير وجهه إذا سمع كلمة نابية أو جملة مشينة، ليس له في القرآن أسوة ولا في كلام خير البرية قدوة، وليت الأمر توقف عند