للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلّى الله عليه وسلّم، وهذا ما تعلموه من القرآن العظيم، من وجوب توقيره وإجلاله، ودليله أن المرأة قد رأته وسمعته ولم تخف، وما حدث لها ما حدث، إلا عندما أخبرت أنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما كان معها في ذلك الوقت.

[الفائدة الثانية:]

تأدب الصحابة رضي الله عنهم مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن ذلك:

١- أن بعض الصحابة أنكروا على المرأة الطريقة التي ردت بها على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولو أنهم اعتادوا الكلام معه بغير توقير وإجلال، ما أنكروا على المرأة، وقد أدبهم الله- سبحانه وتعالى- باداب الحديث معه تفصيلا لا إجمالا، كما ورد في باب (تأديب الأمة في معاملته صلّى الله عليه وسلّم) .

٢- ذهاب المرأة إليه صلّى الله عليه وسلّم تعتذر إليه عما بدر منها، وتبين له سببه، فقالت: (يا رسول الله لم أعرفك) ، وتدبر أخي القارئ، أن كل ما قالته المرأة لتعتذر عما بدر منها، وهو عظيم جدّا، في حق الرسول صلّى الله عليه وسلّم أنها قالت: (لم أعرفك) وهي التي ذهبت بعد أن أخذها مثل الموت، ولو كانوا لا يعرفون عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم التسامح والعفو وعدم الغضب لنفسه، ما اقتصرت المرأة على تلك الكلمة البسيطة، ولو أن المرأة قد قصرت في الاعتذار، أو كان الأمر يحتاج لأكثر من ذلك لنصحها النبي صلّى الله عليه وسلّم بما هو أكمل، ولقال لها مثلا:

(استغفري ربك وتوبي إليه) . وهو مسلك ومنهج جدير بالتأمل والتدبر، فقد يحدث اليوم أن توجه كلمة غير لائقة، فيمن يعتقد في نفسه أنه كبير، فيحتاج الأمر إلى أيام وليال لإصلاح ما فسد، وقد لا تنفع مجالس الصلح، ويصل الأمر إلى المشاحنات، التي قد تجرّ إلى القتل.

[الفائدة الثالثة:]

أن الصبر درجات، وأعظم هذه الدرجات، هو الصبر عند الوهلة الأولى من نزول المصائب، وهذا هو الصبر الذي يكافئ الله- سبحانه وتعالى-، عليه بعظيم الأجر والثواب، قال تعالى: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ [الزمر: ١٠] ، وهو الصبر الجميل، الذي لا يكون فيه الجزع والهلع وشق الجيوب ولطم الخدود وقول ما لا يرضي المولى سبحانه وتعالى.

ويتفرع عليه: جميل منة الله على عباده، أن خفف على الإنسان عظيم وقع المصيبة عليه، بمرور الأوقات وملاقاة الأصحاب وتسلية الأحباب، فمن يظن بعد موت الأب أو الأم، أنه سيأتي عليه يوم يضحك فيه، أو حتى يأكل ويشرب، وعلى الإنسان أن يحمد الله كثيرا على هذه النعمة الجليلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>