للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لماذا نمسح على ظاهر الخف لا على باطنه؟ لماذا تقضي الحائض الصيام ولا تقضي الصلاة، والصلاة أعظم؟ كيف أسري بالنبي في جزء من الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماوات العلا ورأى ما رأى، ثم عاد؟ الشاهد في هذه الحادثة أنها كانت فتنة واختبارا لما سمعها الناس من النبي صلّى الله عليه وسلّم، إن الذين حكّموا عقولهم أنكروها وارتدوا، أما المؤمنون فقد صدقوا وثبتوا، بل ازدادوا إيمانا مع إيمانهم، ألا تريد أن تكون مثل أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما سمع من المشركين نبأ الحادثة، قال: إن قال فقد صدق، فعلق الأمر كله على صدق الرواية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي لا ينطق عن الهوى، وسمي أبو بكر من وقتها بالصديق. ألا تريد أن تكون مثله أو مقتفيا أثره، وما يدريك لعل من حكمة الله في إخفاء بعض حكم الأحكام، هو اختبار العباد وابتلاؤهم ليعلم الصالح منهم والطالح.

وانظر أخي القارئ إلى جمال متابعة الصحابة لنبيهم صلّى الله عليه وسلّم في أمر قد اعتادوا عليه أشد الاعتياد، وهو الحلف بالآباء، قال ابن عمر سمعت عمر يقول: (قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«إنّ الله ينهاكم أن تحلفوا بابائكم» . قال عمر: فو الله ما حلفت بها منذ سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذاكرا ولا آثرا) «١» . أي ما نطقت بهذا الحلف متعمدا ولا ناقلا ذلك عن غيري، فهل هناك طاعة أبلغ من ذلك؟! بل انظر كيف أنكرت عائشة- رضي الله عنها- على المرأة التي سألتها عن حكمة قضاء الحائض للصيام دون الصلاة، فكأن هذه المرأة تريد أن تقول: كيف يستقيم الأمر مع أن الصلاة أعظم من الصيام؟ فعن معاذة قالت: (سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت:

ما بال الحائض تقضي الصّوم ولا تقضي الصّلاة؟ فقالت: أحروريّة أنت؟ «٢» قلت: لست بحروريّة، ولكنّي أسأل. قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصّوم ولا نؤمر بقضاء الصّلاة) «٣» ، وكان كل رد عائشة- رضي الله عنها- (فنؤمر) فهل بعد الأمر الشرعي أخذ ورد؟!.

[مثال لكمال الطاعة المقرون ببالغ التعظيم:]

عن عبد الله بن عبّاس رضي الله عنها: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه، وقال: «يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده» ، فقيل للرّجل بعد ما


(١) البخاري، كتاب: الأيمان والنذور، باب: لا تحلفوا بابائكم، برقم (٦٦٤٧) .
(٢) الحرورية: طائفة من الخوارج نسبوا إلى حروراء.
(٣) مسلم، كتاب: الحيض، باب: وجوب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، برقم (٣٣٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>