للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣. وفاؤه صلّى الله عليه وسلّم للأنصار الذين بايعوه على نصرته والدفاع عنه، فقد ظنوا أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم حنّ لأهله وعشيرته، وقد يفضل المكث في مكة على الرجوع معهم إلى المدينة فأعلمه الوحي بذلك فأخبرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بما دار بينهم ولم يحضره، وبيّن لهم أنه بمقتضى اسمه، محمد، وبمقتضى صفته وهو عبد الله ورسوله، لا يمكن أن يتخلى عنهم بعد أن قدموا له معروفا جميلا وأسدوا إليه صنيعا عظيما، وأبلغهم أنهم أولى الناس به في حياته ومماته، ورد في الحديث قوله صلّى الله عليه وسلّم: قال: «قلتم: أمّا الرّجل فأدركته رغبة في قريته» ؟ قالوا: قد كان ذاك، قال: «كلّا، إنّي عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم، والممات مماتكم» . فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الّذي قلنا إلّا الضّنّ بالله وبرسوله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله ورسوله يصدّقانكم ويعذرانكم» «١» .

وفي هذه الواقعة بعض اللّفتات الجميلة؛ وهي:

أ- الاشتياق إلى الأهل وإلى العشيرة التي نشأ الإنسان فيها ليس فيه محظور شرعي؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ما أنكر على الأنصار مقولتهم إلا من حيث إنه لا ينبغي في حقه صلّى الله عليه وسلّم أن يتخلى عنهم بعد أن نصروه وآووه.

ب- تأييد الله عز وجل لنبيه صلّى الله عليه وسلّم بالوحي في كل أموره، فهذا جبريل نزل بالوحي يعلمه بمقولة الأنصار، ولنا أن نتخيل ما كان عليه الصحابة من مطلق الإيمان بصدق النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ يخبرهم في الحال بما قالوه سرّا ولم يطلع هو عليه. لا شك أنه إيمان لا يساوره أدنى شك.

ج- كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم الحظ الأوفر من اسمه إذ سماه الله محمدا، ويؤخذ من الحديث أنه ما ينبغي له صلّى الله عليه وسلّم أن يقول أي مقولة أو يفعل أي فعلة تناقض اسمه، وعلى كل مسلم الآن أن يراعي اسمه وما تضمنه من صفات ومحامد يجب أن يحرص عليها، ويكون من عدم المروءة أن يأتي بنقيضها.

قال الإمام النووى- رحمه الله- شرحا لمقولة النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لو فعلت هذا الذي خفتم منه وفارقتكم ورجعت إلى استيطان مكة لكنت ناقضا لعهدكم في ملازمتكم، ولكان هذا غير مطابق لما اشتقّ منه اسمي وهو الحمد، فإني كنت أوصف حينئذ بغير الحمد» «٢» .


(١) انظر الحديث السابق.
(٢) شرح النووى على صحيح مسلم (١٢/ ١٣١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>