للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانظر أخي القارئ كيف حمل صلّى الله عليه وسلّم الجميل للأنصار وأقرّ به في يوم عظيم، فقال صلّى الله عليه وسلّم:

«هاجرت إلى الله وإليكم» .

د- إعلامه صلّى الله عليه وسلّم الأنصار بشيء من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله عز وجل، ولا يقدر على الوفاء بها إلا هو جل في علاه، ألا وهي أنه صلّى الله عليه وسلّم سيموت في المدينة ويدفن فيها، وقد يكون هذا مما أوحاه الله له في هذه الواقعة، وقد تكون أيضا مكافأة منه عز وجل للأنصار على ما قدموه لدين الله حتى تم الفتح والنصر، ورد في الحديث: «فالمحيا محياكم والممات مماتكم» . كما أن فيه أمر غيبي آخر، وهو أنه صلّى الله عليه وسلّم سيبقى في المدينة بقية حياته المباركة، ولن يكون له مقام آخر في أي بلد من البلدان.

قال الإمام النووي- رحمه الله- في شرح كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إني هاجرت إلى الله وإلى دياركم لاستيطانها فلا أتركها ولا أرجع عن هجرتي الواقعة لله. تعالى.، بل أنا ملازم لكم، فلا أحيا إلا عندكم ولا أموت إلا عندكم، وهذا أيضا من المعجزات» «١» .

هـ- تأدب الأنصار. رضي الله عنهم. في حديثهم مع النبي صلّى الله عليه وسلّم، إذ قدموا له العذر على مقولتهم، حيث قالوا: «والله ما قلنا إلا ضنّا بالله ورسوله» والضن هو البخل بالشيء والحرص عليه، ولا يخفى ما في هذه المقولة من شدة حبهم لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم.

قال الإمام النووي. رحمه الله. شرحا لمقولة الأنصار: «والله ما قلنا كلامنا السابق إلا حرصا عليك وعلى مصاحبتك ودوامك عندنا لنستفيد منك ونتبرك بك وتهدينا الصراط المستقيم» «٢» .

و. جميل خلقه صلّى الله عليه وسلّم، ومنه قبوله للعذر، إذ رضي من الأنصار عذرهم وأحسن الظن بهم فصدقهم، وكأنه صلّى الله عليه وسلّم قد شعر بالمصيبة التي ظنوا أنها واقعة بهم إذ لم يرجع النبي صلّى الله عليه وسلّم معهم إلى المدينة، ورد بالحديث على لسانه صلّى الله عليه وسلّم: «فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم» .

٤. رحمته صلّى الله عليه وسلّم العامة بالناس، وحرصه على هدايتهم يتبين ذلك من:

. تكذيبه لمقولة سعد بن عبادة عندما قال: «يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة» ؛ أي:

المقتلة العظيمة، وردّ عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة» ، وهذا يدل على أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يكن متعطشا للدماء، بل كان


(١) انظر شرح النووى على صحيح مسلم (١٢/ ١٢٩) .
(٢) انظر شرح النووى على صحيح مسلم (٣/ ١٧٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>