للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سورة، فقرأ: بسم الله الرّحمن الرّحيم إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣) » .

الفائدة الرّابعة:

النوم في حقه صلّى الله عليه وسلّم غير ناقض للوضوء، وهذا هو الصحيح، لما ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه صلّى الله عليه وسلّم نام حتى نفخ ثم قام فصلى ولم يتوضأ. قال الحافظ في التلخيص الحبير: (لا ينتقض وضوءه صلّى الله عليه وسلّم بالنوم) «١» .

٣- تزكية لسانه صلّى الله عليه وسلّم:

قال تعالى: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (٤) [النجم: ٣، ٤] . قال الإمام القرطبي رحمه الله: (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) ، أي: ما يقول قولا عن هوى وغرض وإنما يقول ما أمر بتبليغه إلى الناس موفورا من غير زيادة ولا نقصان) «٢» . وقال الشيخ السعدي رحمه الله: (ليس نطقه صادرا عن هوى نفسه، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (٤) . أي: لا يتبع إلا ما أوحى الله إليه من الهدى والتقوى في نفسه وفي غيره) «٣» .

[بعض فوائد الآيتين الكريمتين:]

[الفائدة الأولى:]

في الآيتين الكريمتين أبلغ التزكية للسان النبي صلّى الله عليه وسلّم (فهو عضو النطق) ؛ إذ نزهه الله- تبارك وتعالى- عن أي نطق فيه هوى، بل في الآيتين أبلغ تزكية لكل أحوال النبي صلّى الله عليه وسلّم، لأن اللسان الذي قد يزل دون شعور من صاحبه، وقد يخطئ دون قصد منه، قد نزهه الله سبحانه وتعالى- غاية التنزيه عن كل قول سوء فما بالنا ببقية جوارحه صلّى الله عليه وسلّم، وما اللسان إلا كالمترجم عنها، حقيق بتلك الجوارح أن تكون في غاية التنزيه عن كل ما يسوءها.

ويتفرع على ذلك إثبات غاية العصمة للنبي صلّى الله عليه وسلّم في كل أحواله وفي كل ما قاله صلّى الله عليه وسلّم من جهة تنزيهه عن أن ينطق بالهوى، وإثبات أن كل ما نطق به صلّى الله عليه وسلّم وحي من ربه- تبارك وتعالى-.

[الفائدة الثانية:]

إثبات أن للسنة الشريفة نفس منزلة القرآن الكريم حيث حكم الله- سبحانه وتعالى- على كل ما ينطق به النبي صلّى الله عليه وسلّم بأنه وحي منه- تبارك وتعالى-، قال الشيخ السعدي رحمه الله: (دلت الآية على أن السنة وحي من الله لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، كما قال تعالى:

وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً

[النساء: ١١] ، وأنه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه لأن كلامه لا يصدر عن


(١) انظر التلخيص الحبير (٣/ ١٣٥) .
(٢) وردت هذه الفقرة عند ابن كثير (٤/ ٢٤٨) وهي من كلامه، وليست من قول القرطبي.
(٣) انظر تفسير السعدي (٨١٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>