الرسول صلى الله عليه وسلم فغير مشروطة بشيء، وقد وضّح ذلك الشيخ السعدي- رحمه الله- بقوله:
(أمر الله بطاعة أولي الأمر وهم: الولاة على الناس، من الأمراء والحكام والمفتين فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم، ولكن بشرط ألا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بذلك فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ولعل هذا هو السر في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأمر إلا بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولو الأمر فشرط الأمر بطاعتهم ألايكون معصية)«١» .
[الفائدة الثالثة:]
عظيم أمر العلماء؛ إذ جعل الله- سبحانه وتعالى- مرجع التنازع إليهم في كل ما اختلفت فيه الأمة، قال الإمام القرطبي- رحمه الله- (فأمر تعالى برد المتنازع فيه إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وليس لغير العلماء معرفة الرد إلى الكتاب والسنة، ويدل على صحته كون سؤال العلماء واجبا وامتثال فتواهم لازما) . ومظهر تعظيم العلماء في ذلك، أن الأمة كلها مأمورة أن ترجع إليهم في كل المتنازع فيه، ومأمورة بطاعتهم وامتثال أمرهم، أما هم- أي العلماء- لا يرجعون إلا إلى الكتاب والسنة، فدل ذلك إلى علو شأنهم على من سواهم، بالإضافة إلى أن وجود العلماء الربانيين يضمن نجاة الأمة من الفتن والزيغ والضلال.
ويتفرع عليه وجوب قيام الأمة بتبجيل العلماء وتوقيرهم والدعاء لهم بالثبات والسداد.
[الفائدة الرابعة:]
أثبتت الآية أن مسائل الشريعة والأحكام تنقسم إلى قسمين:
الأول: قسم ظاهر الدلالة والمعنى: يستوي في فهمه العلماء والعوام.
ومثاله: وجوب الصلاة والزكاة والصوم وبقية أركان الدين وتحريم عقوق الوالدين وقول الزور والزنا والميسر، وغيرها.
الثاني: قسم غير ظاهر الدلالة والمعنى يشكل فهمه على العوام، ويفهمه العلماء، ويختلف فهمهم له باختلاف رسوخهم في العلم.
ومثاله: ما استحدث من معاملات في التجارة والبنوك، فتلك الأمور لو ردت إلى الراسخين في العلم لرفع الإشكال. ودليل ذلك من الآية الكريمة: أن الله أمرنا جميعا