للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«إلى أسفل بطني فاستخرج قلبي فغسل قلبي بماء زمزم ثمّ أعيد مكانه ثمّ حشي إيمانا وحكمة» «١» .

[الشاهد في الحديث:]

قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ثم حشي إيمانا وحكمة» .

[فوائد الحديث]

وقد أوردت هذا الحديث، وأفردت له بابا مستقلّا، رغم مشابهته تماما لحديث الباب الذي قبله، وذلك لعدة فوائد هي:

[الفائدة الأولى:]

إثبات أن الواقعتين مختلفتان تماما، وأن شق صدر النبي صلّى الله عليه وسلّم وغسل قلبه، قد وقع مرتين، والدليل على ذلك ما ورد في الحديث الأول: (أتاه جبريل صلّى الله عليه وسلّم وهو يلعب مع الغلمان) ، أي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان لا يزال غلاما في رعاية ظئره، أما الواقعة التي معنا في حديث الباب، فكانت ليلة الإسراء والمعراج قطعا، فقد ورد في إحدى روايات الحديث عند مسلم: «فاستخرج قلبي فغسل بماء زمزم ثم أعيد مكانه ثم حشي إيمانا وحكمة ثم أوتيت بدابة أبيض يقال له: البراق، فوق الحمار ودون البغل يقع خطوه أقصى طرفه» «٢» .

[الفائدة الثانية:]

إظهار عظيم اعتناء المولى- سبحانه وتعالى- بنبيه الكريم صلّى الله عليه وسلّم عند إثبات أن واقعة شق الصدر وغسل القلب حدث مرتين لا مرة واحدة.

[الفائدة الثالثة:]

الوقوف على الفارق الجوهري بين الواقعتين، فالواقعة الأولى التي حدثت أيام صبا النبي صلّى الله عليه وسلّم حدث فيها إخراج العلقة التي هي حظ الشيطان من قلبه صلّى الله عليه وسلّم.

والواقعة الثانية التي حدثت ليلة الإسراء والمعراج، حدث فيها حشو القلب إيمانا وحكمة، فما حدث في كل واقعة يناسب المرحلة التي كان يمر بها النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما كان غلاما كان في حاجة ماسة إلى عدم تعرضه لوساوس الشيطان، أما بعد البعثة، فكان أحوج ما يكون صلّى الله عليه وسلّم للإيمان والحكمة، إيمان يعينه على مواجهة المحن والمصائب، وحكمة يتحلى بها في مواجهة المواقف والأزمات، وقد رأينا ذلك جليّا من خلال سيرته الزكية صلّى الله عليه وسلّم.

وفي كلتا الواقعتين، غسل القلب بماء زمزم لحاجة الإنسان المستمرة لطهارة القلب ونقائه، فلله الحمد والمنة.

[لطيفة:]

قال صلّى الله عليه وسلّم: «ثم حشي إيمانا وحكمة» ، وفيه:

١- بيان قدرة الله- سبحانه وتعالى- التي لا يقدر على وصفها واصف ولا يقدر على


(١) مسلم بنحوه، كتاب: الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، برقم (١٦٤) .
(٢) سبق تخريجه، انظر ما قبله.

<<  <  ج: ص:  >  >>