للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهم كنهها عاقل، حيث جعل الله- عز وجل- الجواهر أعراضا، والمعنويات محسوسات، حيث جاء جبريل بالإيمان والحكمة في طست من ذهب، ورد في إحدى روايات البخاري: «ثم أوتي بطست من ذهب فيه تور من ذهب محشوّا إيمانا وحكمة فحشا به صدره ولغاديده يعني عروق حلقه ثم أطبقه» «١» .

وعلى العبد ألا يتعجب من هذا، فإن الله كان قادرا على أن يجعل الإيمان والحكمة أعراضا نراها ومحسوسات نلمسها، ولكن قضت حكمته، عز في علاه، أن يجعل الإيمان والحكمة جواهر، ويقلبها وقتما شاء أعراضا، فالكل في قدرته سواء، وهي في حق الإنسان معجزات لأنه لم يألفها، بل ألف عكسها وضدها.

٢- حشو القلب بالإيمان والحكمة، دليل قاطع على أنه ليس في قلب رسولنا صلّى الله عليه وسلّم أي محل لما يمكن أن يطرأ عليه من تغيرات إيمانية، فلو عرضت- حاشا لله- أي شبهة أو نزوة فلن تجد لها منفذا لتستقر في هذا القلب الشريف، لعدم وجود أقل مكان لها، حيث ملئ المحل كله بالإيمان والحكمة، وقد ضربت هذا المثل مع استحالته لتقريب الصورة إلى الأذهان، وليعلم كل أحد منزلة نبينا صلّى الله عليه وسلّم.

٣- استخدام لفظ (حشي) أبلغ في إيصال المعنى المراد، وهو أتم فائدة من لفظ (ملأ) ، لأن لفظ (الحشو) يستخدم فيما ملئ بقوة، مع الحرص التام على عدم ترك أي ثغرة بدون إيصال المادة المحشو بها، أما لفظ (الملء) فهو أقل من ذلك معنى، فمع الملء قد يكون الهواء، أما مع الحشو فيستحيل، وهذا الفهم يزيدنا إيمانا بعلو منزلة نبينا صلّى الله عليه وسلّم عند ربه.

[الفائدة الرابعة:]

خير ما يملأ به العبد قلبه هو الإيمان والحكمة، ولو كان هناك أعظم منهما في نفع العبد لملئ به قلب النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولو كان هناك ما يماثلهما أو يحتاج إليه العبد مثل حاجته للإيمان والحكمة لجعلت في قلب النبي صلّى الله عليه وسلّم.

٢١- إسلام قرينه صلّى الله عليه وسلّم:

عن عائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج من عندها ليلا قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع فقال: «ما لك يا عائشة أغرت» فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك!! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أقد جاءك شيطانك» قالت: يا رسول الله أو معي شيطان قال: «نعم» قلت: ومع كلّ إنسان قال: «نعم» قلت ومعك يا رسول الله قال: «نعم ولكن ربّي أعانني


(١) البخاري، كتاب: التوحيد، باب: قوله: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً، برقم (٧٥١٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>