للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وكان هذا التصديق المطلق ديدن أبي هريرة رضي الله عنه فقد صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم في أعظم من ذلك، وهو أنه أخبر بأن بقرة تتكلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الصّبح، ثمّ أقبل على النّاس فقال: «بينا «١» رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها، فقالت: إنّا لم نخلق لهذا، إنّما خلقنا للحرث. فقال النّاس: سبحان الله بقرة تكلّم! فقال: فإنّي أومن بهذا أنا وأبو بكر وعمر» وما هما ثمّ «٢» .

والعجيب أنه حكم لأبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، أنهما سيصدقان الخبر إذا سمعاه، وهي منقبة عظيمة للخليفتين الراشدين، أن يشتهر عنهما تصديقهما المطلق لكل ما يقوله النبي صلّى الله عليه وسلّم ولو كان مخالفا للعادة والعرف بل والعقل، ومتى كان الصحابة رضي الله عنهم يحكمون عقولهم، في أخبار الوحي؟!.

٥- أدبه مع النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث لم يذكر له ما نصحه به الأسير بصيغة الجزم، قال: (زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها) . فأتى بلفظ (زعم) ، وما أكد الخبر بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم من باب عدم التقديم بين يدي الله ورسوله، وهذا أيضا من فقهه رضي الله عنه. كما أن من أدبه رضي الله عنه أنه راعى علو قدر النبي صلّى الله عليه وسلّم في قوله: (لأرفعنك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) .

٦- حرصه على الخير، وكذا جميع صحبه الكرام، رضي الله عنهم جميعا، قال الراوي: (وكانوا أحرص شيء على الخير) . وحب أبي هريرة رضي الله عنه للخير، هو الذي دفعه لإطلاق أسيره في الليلة الثالثة، مقابل أنه يعلمه ما ينفعه الله به.

[الفائدة الرابعة:]

إيمان الشياطين بالله، وأنه النافع لقوله: (أعلمك كلمات ينفعك الله بها) . فهل اعتقد عوام المسلمين اليوم، ما كان تعتقده الشياطين ولا يزالون، أن النافع والضار هو الله وحده؟.

ولم يكن هذا التصديق المطلق ديدن المؤمنين فقط ولكن شمل هذا التصديق الكافرين أيضا واعطي لذلك مثالا:

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حدّث عن سعد بن معاذ: أنّه قال: كان صديقا لأميّة بن خلف وكان أميّة إذا مرّ بالمدينة نزل على سعد، وكان سعد إذا مرّ بمكّة نزل على أميّة، فلمّا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة انطلق سعد معتمرا، فنزل على أميّة بمكّة، فقال لأميّة: انظر لي ساعة خلوة لعليّ أن أطوف بالبيت، فخرج به قريبا من نصف النّهار،


(١) بينا: أي بينما.
(٢) البخاري، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار، برقم (٣٤٧١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>