وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها [النور: ٢٧] ، قال المفسرون: الاستئناس يشمل الاستئذان، بل هو خلق أعلى من مجرد الاستئذان؛ لأننا لن ندخل بيتا، حتى نعلم استعداد أهل البيت لاستضافتنا، فقد يكون الوقت غير مناسب، أو عندهم ما يشغلهم فلا تجوز الزيارة أصلا، ومن كمال الاستئناس أن نستأذن حتى يأخذ أهل البيت أهبتهم.
والحكمة من الاستئذان، هو النظر، حتى لا يقع بصر الضيف إلى عورات الناس، أو إلى ما يكره، ومن تمام أدب الاستئذان ألا يتعدى ثلاث مرات فإن أذن له وإلا رجع. ومن آداب الاستئذان، أن يرجع الضيف إذا قيل له: ارجع، قال تعالى: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكى لَكُمْ [النور: ٢٨] وهذا الأدب الأخير ندر من يعمل به، رغم أننا نقرأه في القرآن صباحا ومساء، فيستحي صاحب البيت أن يقول للضيف: ارجع، ويشق على الضيف أن يسمعها.
[الفائدة السادسة:]
أدب الضيافة، أن يناول المضيف القدح ضيفا ضيفا، فلا يجعلهم يتناولونه فيما بينهم، قال أبو هريرة:(فأخذت القدح فجعلت أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى ثم يرد عليّ القدح فأعطيه الرجل) هكذا فعل أبو هريرة حتى شرب أهل الصفة عن آخرهم، وهذا الأدب هو حق للأضياف، ولو كانوا فقراء، انظر إلى أدب إبراهيم عليه السلام مع أضيافه كيف قرّب إليهم الطعام، ولم يقل لهم: هلموا إلى الطعام، قال تعالى:
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ [الذاريات: ٢٧] . والذي يدلنا على حب الله لهذا الأدب ذكره في القرآن في معرض الثناء على ابراهيم صلى الله عليه وسلم.
[الفائدة السابعة:]
ذم امتلاء المعدة من الأكل والشرب، والحث أن يجعل المسلم جزآ لطعامه وجزآ لشرابه وجزآ لنفسه هو الأصل، ولكن يجوز في بعض الأحوال أن يشبع المسلم حتى الامتلاء، وذلك في حالة جوعه الشديد، خاصة إذا علم أنه قد لا يجد بعد ذلك طعاما أو شرابا، أو في حالة معرفته وجود بركة في الطعام المقدم له، وأن الذي يأمره بالزيادة، هو من أهل الصلاح والتقوى.
الأحاديث التي وردت في هذه المعجزة الظاهرة، وهي تكثير الطعام والشراب ببركة يد الرسول صلى الله عليه وسلم أو دعائه كثيرة جدّا، أورد بعض الأمثلة منها:
الحديث الأول:
عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد- شكّ الأعمش- قال: لمّا كان غزوة تبوك أصاب