للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رحمه الله- أقوال العلماء فقال: (أي: كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة، بما يحصل من ملازمة حلق الذكر لا سيما في عهده صلى الله عليه وسلم فيكون تشبيها بغير أداة «١» ، أو المعنى: أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة فيكون مجازا، أو على ظاهره وأن المراد أنه روضة حقيقية بأن ينتقل هذا الموضع بعينه في الآخرة إلى الجنة، هذا محصل ما أوله العلماء في هذا الحديث وهي على ترتيبها هذا في القوة) . انتهى كلامه رحمه الله «٢» .

وأعتقد- والعلم عند الله- أن القول الأخير هو المتعين لسببين:

[السبب الأول:]

أنه يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» أنها مزية خاصة لتلك البقعة دون سائر البقاع، ولو قلنا بالقول الأول والثاني لاشتركت جميع البقاع التي يكثر فيها حلق العلم والذكر.

كما أن قوله: إن العبادة فيه تؤدي إلى الجنة كلام مردود حيث إن العبادة في كل مكان تؤدي إلى الجنة، خاصة أنه لم يرد تضعيف ثواب العبادة في الروضة عن غيرها من أورقة المسجد النبوي.

[السبب الثاني:]

أن القول الأول احتاج إلى تقدير أداة تشبيه والقول الثاني أنزل المعنى منزلة المجاز، وحيث لا ضرورة إلى التقدير أو الذهاب إلى المجاز فلا يصير إليهما، فكلما استطعنا أن ننزل كلام الوحي منزلة الحقيقة بلا تشبيه ولا مجاز كان ذلك هو الأولى والأصوب خاصة إذا كانت هناك أسباب تدعو إلى ذلك وقد ذكرتها.

[الفائدة الرابعة:]

اعتناء الله- سبحانه وتعالى- بمنبر رسوله صلى الله عليه وسلم، ودليله أنه سيكون معه يوم القيامة وموضعه على حوضه صلى الله عليه وسلم، قال الإمام ابن حجر- رحمه الله تعالى- في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: ( «ومنبري على حوضي» : أي ينقل يوم القيامة فينصب على الحوض، وقال الأكثر: منبره بعينه الذي قال هذه المقالة وهو فوقه، وقيل: المراد: المنبر الذي يوضع له يوم القيامة والأول أظهر) «٣» . وهو الذي مال إليه القاضي عياض حيث نقل عنه الإمام النووي رحمه الله قوله: (قال أكثر العلماء: المراد: منبره بعينه الذي كان في الدنيا قال: وهذا هو الأظهر) «٤» .


(١) أي تشبيه حذفت أداته وهي: «الكاف» .
(٢) فتح الباري (٤/ ١٠٠) .
(٣) فتح الباري (٤/ ١٠٠) .
(٤) شرح النووي على صحيح مسلم (٩/ ١٦٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>