يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ [النّور: ١٦] ، فأشارت الآية إلى أن الباعث على نفي التكلم بهذا الإفك هو تنزيه الله- سبحانه وتعالى- أن يمسّ عرض وجناب خاتم أنبيائه وسيد مرسليه بسوء، وهذا صحيح؛ لأن الحكمة الإلهية تقتضي أن يحفظ الله- سبحانه وتعالى- عرض نبيه صلّى الله عليه وسلّم باختيار زوجات كريمات عفيفات طاهرات، ولأن تدنيس عرض واحدة منهن يشكك في أعراضهن جميعا، وهو كذلك ضرر متعدّ لنبيه صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن من شأنه القدح في ذريته وأهل بيته، وهو كذلك ضرر متعدّ أيضا للدين كله لما سيترتب عليه من رد جميع العلم المنقول للأمة من جهة زوجاته- رضي الله عنهن جميعا-، وهذا خطره عظيم، واسمع لما قاله الله- تبارك وتعالى- في آية كريمة جاءت بعد آيات الإفك: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [النّور: ٢٦] .
قال الإمام ابن كثير- رحمه الله تعالى- في تفسير الآية الكريمة:(أي ما كان الله ليجعل عائشة زوجة لرسوله صلّى الله عليه وسلّم إلا وهي طيبة لأنه صلّى الله عليه وسلّم أطيب من كل طيب من البشر، ولو كانت خبيثة لما صلحت له شرعا ولا قدرا)«١» .
٥- وصف الخائضين بأقبح الصفات:
وصفت الآيات الذين خاضوا في الإفك بأقبح صفة يمكن أن تلحق بمسلم، وهي صفة الكذب، وكفى بتلك الصفة تشنيعا بأصحاب مقولة الإفك، ولم يقتصر الأمر على ذلك، أو ذكر أنهم كاذبون عند الناس- أي في أوساط الناس-، بل ذكرت الآية أنهم كاذبون عند الله- أي في علم الله- تبارك وتعالى-، فكان ذلك تشنيعا على تشنيع.
كما وصفت الآيات الكريمات الخائضين في الإفك بأنهم يقولون ما لا علم لهم به، قال تعالى: وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [النّور: الآية ١٥] ، فكان كلامهم عن جهل بحقيقة الأمر، وجهل بعظمه وجهل أيضا بعلو شأن وقدر من خاضوا في عرضها، وهي زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم.
٦- إثبات العذاب العظيم للخائضين في الإفك:
قال تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ [النّور: ١٤] . فالآية قد أثبتت أن الخائضين في الإفك يستحقون عذابا موصوفا بالعظيم، للدلالة على شناعة ما وقعوا فيه.