شهاب: فأخبرني ابن حزم أنّ ابن عبّاس وأبا حبّة الأنصاريّ كانا يقولان: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«ثمّ عرج بي حتّى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام» . قال ابن حزم وأنس بن مالك:
قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:«ففرض الله عزّ وجلّ على أمّتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك حتّى مررت على موسى، فقال: ما فرض الله لك على أمّتك؟ قلت: فرض خمسين صلاة، قال: فارجع إلى ربّك فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك فراجعت فوضع شطرها فرجعت إلى موسى قلت: وضع شطرها فقال:
راجع ربّك فإنّ أمّتك لا تطيق فراجعت فوضع شطرها فرجعت إليه فقال: ارجع إلى ربّك فإنّ أمّتك لا تطيق ذلك فراجعته فقال: هي خمس وهي خمسون لا يبدّل القول لديّ فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربّك فقلت: استحييت من ربّي، ثمّ انطلق بي حتّى انتهى بي إلى سدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا أدري ما هي، ثمّ أدخلت الجنّة فإذا فيها حبايل اللّؤلؤ وإذا ترابها المسك» «١» .
لا شك أن معجزة الإسراء والمعراج، هي من أعظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، حيث رأى فيها من آيات ربه الكبرى، وكانت فيها إمامته الأنبياء، ورفعه بعد السماوات السبع حتى سمع صريف الأقلام، واطلاعه على النار، وما يجري فيها من عذاب الكفار وأهل المعاصي، ودخوله الجنة، وما رأى فيها من الحسن والجمال، ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفيها كلم الله تكليما. وقبل البدء في التعليق على حديث الباب نذكر بعض النقاط الرئيسة المهمة في حادثة الإسراء:
١- مناسبتها:
جمهور العلماء أنها جاءت تسرّي عن النبي صلى الله عليه وسلم، همه وحزنه بعد وفاة خديجة بنت خويلد، والتي كانت خير معين له في مسكنه، تصبره وتواسيه بمالها، وكذلك وفاة عمه أبي طالب، والذي حماه من كيد المشركين، فكان خير معين له خارج المسكن، وأيضا كانت تسلية له بعد أن رده أهل الطائف، فقد كذبوه وعابوه وأغروا صبيانهم به، فجاءت حادثة الإسراء لتزيل عنه كل تلك الأحزان والأشجان، وتؤكد له أن الأرض إذا ضاقت به وبدعوته، فإن له في السماء منزلة عالية، بين الأنبياء والملائكة، وأن الله عز وجل يسمع ويرى ما يحدث له، من تكذيب وإيذاء وأنه هو الذي يقدر على نصرته وإعلاء دينه، وبحق كانت تلك الحادثة، مظاهرة في إكرام النبي وإعلاء شأنه في السماوات السبع وما بعدها.
٢- ثبوت القصة:
وردت حادثة الإسراء- أي الرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد
(١) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب: كيف فرضت الصلاة في الإسراء، برقم (٣٤٩) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، برقم (١٦٣) .