للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفائدة الأولى:]

صبر الرسول صلى الله عليه وسلم لما يتعرض إليه من أذى، سواء من الكفار، أو المنافقين، أو المسلمين، وتحمل ذلك الأذى في سبيل تألف قلوب الناس، واستمالتهم إلى الإسلام، امتثالا للتوجيه الرباني، في قوله تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ [آل عمران: ١٥٩] ، وسنستعرض أوجه الأذى الذي تعرض إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من الأعرابي، ليتبين لنا مدى صبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو الكريم العزيز على ربه.

١- جاء الأعرابي للرسول صلى الله عليه وسلم من خلفه، وهذا من سوء الأدب، مع مقام النبوة.

٢- جبذه جبذة شديدة من ردائه، أثرت على عنقه صلى الله عليه وسلم.

٣- لم يناد على الرسول بقوله: يا رسول الله، بل وجه إليه الخطاب مباشرة باسمه، فقال: يا محمد، وهذا منهي عنه، لقوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور: ٦٣] .

٤- لم يراع الأدب في الخطاب حيث كلمه من الخلف، وأمره بالعطاء أمرا لا تلطف فيه، ثم ذكر للرسول صلى الله عليه وسلم أن المال الذي عنده لا حق له فيه، لأنه مال الله، قال الأعرابي:

(مر لي من مال الله الذي عندك) . وهذا منتهى سوء الأدب، ويخالف ما أمرنا به من آداب في الآية التي ذكرتها آنفا.

[الفائدة الثانية:]

جميل صبر النبي صلى الله عليه وسلم على الأذى، وعدم رد الإساءة بمثلها، بل كان الرد، بما هو أحسن، وليس بالحسن، امتثالا لقوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ [المؤمنون: ٩٦] ، ويتمثل الرد الأحسن للنبي صلى الله عليه وسلم في أنه ضحك للأعرابي، مع أن الأعرابي كان غاية أمله العطاء، وليس التبسط معه، ثم أمر له بالعطاء، فلم يمنع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعطي جميل ما عنده، بسوء ما عند الأعرابي، قال أصدق القائلين: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] .

الفائدة الثّالثة:

ما ينبغي أن يكون عليه الأمراء والرؤساء وأهل العلم وأهل الحسبة، من صبر على أذى الناس، وغلظة قولهم في بعض الأوقات، وألا يحملوا في قلوبهم شيئا لمن آذاهم حيث ضحك النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي، لإعلامه وإعلامنا، أنه لم يحمل له في قلبه شيئا.

ب- صبره صلى الله عليه وسلم على أذى الكفار:

عنّ عائشة رضي الله عنها زوج النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله:

<<  <  ج: ص:  >  >>