للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- في قوله صلى الله عليه وسلم: «جعلهم الله تحت أيديكم» ، بالغ الحثّ على حسن المعاملة والرفق معهم في الأمر كله، إذ كيف يعامل المسلم، من جعله الله تحت يده، أيجترئ أن يظلمه أو يبخسه أو يحقره، كلا والله، لأنه قطعا سيخاف من القوي المتين، فالذي وضعه في هذه المكانة لا محالة سيسأل عنه، وتدبر أخي القارئ لماذا لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم، جعلهم الفقر تحت أيديكم أو (جعلتهم ظروفهم) ، أو (جعلهم قدرهم) ، ولكن أتى صلى الله عليه وسلم بلفظ (الجلالة) ليشعر المسلم بخطورة الأمر وعظم المسئولية، لعظم السائل عنها. كما أن قوله صلى الله عليه وسلم: «جعلهم الله تحت أيديكم» ، يشعر أن الأمر فتنة واختبار من الله للمخدوم، أيحسن أو يسيء، يصدّق ذلك قوله تعالى: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً [الفرقان: ٢٠] .

ج- الأمر بإكرام الخدم، وإطعامهم وإلباسهم من جنس ما يأكل ويلبس المخدوم، لقوله صلى الله عليه وسلم: «فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس» ، وهذا الأمر لا يقصد به المساواة في المأكل والملبس، وإنما المقصود من جنس ما يأكل ومن جنس ما يلبس، وهو التبعيض الذي دلت عليه (من) ، ذكره ابن حجر في الفتح، وقال: (فالمراد المواساة لا المساواة) «١» . ويدل على ذلك أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يجلسه معه، فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين، فإنّه ولي علاجه» «٢» .

د- تحريم تكليف الخدم ما يغلبهم، أي ما يشق عليهم فعله، فإن حدث ذلك، فقد وجبت إعانتهم بما يزيل عنهم المشقة، فقد ورد في إحدى روايات البخاري «ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم» ، والأصل في النهي التحريم إن لم يصرفه صارف للكراهية، وقد انعدم الصارف هنا.

[والحاصل:]

أن هذا التوجيه النبوي الرفيع، قد جمع فأوعى كل العلاقة التي تربط الخادم بالمخدوم حيث حدد منزلة الخادم من المخدوم، فهو أخ له، وحدد من الذي قدّر على الخادم هذا الأمر، إنه الله جل في علاه، ونوع المأكل والملبس الذي يلبسه الخادم، فهو من جنس


(١) انظر فتح البارى (٥/ ١٧٤) .
(٢) البخاري، كتاب: العتق، باب: إذا أتاه خادمه بطعامه، برقم (٢٥٥٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>