للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم أزل أحبّ الدّبّاء من يومئذ) «١» .

وفي رواية عند مسلم: (فجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأكل من ذلك الدّبّاء، ويعجبه. قال:

فلمّا رأيت ذلك جعلت ألقيه إليه ولا أطعمه. قال: فقال أنس: فما زلت بعد يعجبني الدّبّاء) «٢» .

وعند مسلم أيضا: (فما صنع لي طعام بعد أقدر على أن يصنع فيه دبّاء إلّا صنع) «٣» .

[الشاهد في الحديث:]

أن أنسا رضي الله عنه لما رأى الرسول صلّى الله عليه وسلّم يحب الدباء ويتتبعه، وهو أمر لا يدخل في أمور الشرع، ولم نؤمر بالعمل به، أقول: لما رأى أنس ذلك، وقع في قلبه مباشرة حبّ هذا الصنف من الطعام، وما كان يحبه ولا يشتهيه من قبل علمه أن الرسول يحبه، وهكذا إذا أحب أحد أحدا وقع في قلبه كل ما يحبه الطرف الآخر، من مأكل ومشرب وملبس وحتى المشية، ألا ترى إذا أحب الشاب الآن أحدا من الممثلين الذين لا خلق لهم ولا دين، يتمثل به حتى في قصة شعره بدون إرادة أو وعي، وإن لم تكن ملائمة له، أو مناسبة لقومه وعشيرته، وقد يعصي أبويه في سبيل هذا الاقتداء، حتى أنه يحب أن من يراه، يعلم بدون كلام أنه يحب الممثل الفلاني، ولكن شتان، بين التبر والتراب، والثرى والثريا، فمن الذي أحب الصحابة اتباعه، إنه أفضل الخلق جميعا، هو الذي باتباعه نسعد فلا نشقى أبدا، حتى إن أنسا يقول: إنه ما صنع طعاما يمكن أن يوضع له فيه دباء إلا وضع فيه، أرأيتم الحب ماذا يفعل بصاحبه؟، وأي حب هذا الذي كان في قلوب الصحابة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، إنه لا يمل أن يأكل الدباء في كل طعام، فيكون أشبه بالمريض الذي يعلم أن هذا الدواء فيه شفاء له من مرض عضال فيحب أن يتناوله ولو بجرعة أكبر، ولكن يبدو أن أنسا كان يتلذذ به كلما تناوله لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يحبه.

[فوائد الحديث]

وفي الحديث فوائد منها:

[الفائدة الأولى:]

كيف كان النبي يتتبع حوالي القصعة، وهو الذي أمر الغلام «٤» أن


(١) البخاري، كتاب: الأطعمة، باب: من تتبع حوالي القصعة مع أصحابه ... ، برقم (٥٣٧٩) .
(٢) مسلم، كتاب: الأشربة، باب: جواز أكل المرق واستحباب أكل اليقطين..، برقم (٢٠٤١) ، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(٣) انظر المصدر السابق.
(٤) وذلك كان في حديث عمر بن أبي سلمة إذ كان صغيرا تطيش يده في الصحفة فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا غلام سمّ الله وكل بيمينك وكل مما يليك» ، انظر حديث (٥٣٧٦) في صحيح البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>