ويتفرع على ذلك، علمنا بمدى اعتقاد كفار مكة صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم وأنه يصدق في كل ما يقول، بل إنه يوحى إليه، ولذلك صدقوا بعلمه ببعض أمور الغيب على سبيل التفصيل لا الإجمال، حيث سأل الرجل عن مكان قتله، لا عن مجرد القتل، فكيف يستوي تكذيبهم للنبوة مع تصديقهم علمه الغيب الذي أطلعه الله عليه، مما يدل على أنهم ما كفروا إلا عنادا واستكبارا، وصدق الله حيث قال: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام: ٣٣] .
كما يتفرع عليه، ما كان عليه الكفار من جبن وسفه، أما الجبن فيتضح من شدة الخوف والذعر الذي انتاب أمية بن خلف، أما السفه، فهو أن أمية لا يخلو حاله من أمرين، إما أن يكون قد صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو الواقع، فكيف يريد أن يهرب من قضائه وقدره الذي صدقه، وحاله الثاني أن يكون قد كذّب الرسول صلّى الله عليه وسلّم فما الداعي لكل هذا الخوف.
[الفائدة الثانية:]
في مناقب سعد بن معاذ رضي الله عنه:
١- شجاعته رضي الله عنه:
أ- وذلك أنه ذهب إلى مكة معتمرا، مع علمه بعداوة كفار مكة لمن آوى الرسول صلّى الله عليه وسلّم ونصره، وكونه اختار الظهيرة لأداء العمرة، فهذا لا يقدح في شجاعته، لأنه لا يخلو البيت حتى في الظهيرة من الطوافين، ودليله أنه لقي أبا جهل، وهو ألد الأعداء للرسول صلّى الله عليه وسلّم.
ب- خاصم رضي الله عنه أبا جهل، ورفع صوته عليه، بل هدده بما هو أخطر وأعظم من تهديد أبي جهل له، حيث قال له:(أما والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه، طريقك على المدينة) ، ولا شك أن الذي يقدر على قطع الطريق الذي يلتمسه التجار من مكة إلى الشام، أقوى من الذي يمنع الناس من الطواف بالبيت، ويجب أن نقارن بين شجاعة سعد بن معاذ رضي الله عنه وجبن أمية.
٢- تصديقه المطلق بخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث قال لأمية بن خلف:(فو الله لقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: إنهم قاتلوك) ، فلولا تصديقه التام لكل ما يخبر به النبي صلّى الله عليه وسلّم لما أخبر أمية بذلك، خاصة أنه كان في مجال التنازع والتخاصم معه.
٣- قوة عقيدته وصحتها، نلمحها في علمه أن إخبار أمية بن خلف، بخبر قتله، لن يؤخر أو يقدم، وقوع القتل، لاعتقاده أن الله- سبحانه وتعالى- إذا قضى أمرا فإنما يقول