المبارك، بل على المسلم أن يدعو الله بيقين وإخلاص، وأن يقدم بين يدي دعوته كل عمل صالح يحبه الله ويرضاه، فهذا أرجى لاستجابة الدعاء، وقد مر ذلك مبسوطا في مواضع أخرى من هذا الكتاب.
أما الكلام عن خاتم النبوة، فقد ذكرته في موضعه.
[المثال الثالث:]
عن أنس بن مالك يذكر أنّ رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما، فقال يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السّبل فادع الله يغيثنا قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال:
«اللهمّ اسقنا، اللهمّ اسقنا، اللهمّ اسقنا» . قال أنس: ولا والله ما نرى في السّماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التّرس فلمّا توسّطت السّماء انتشرت ثمّ أمطرت. قال: والله ما رأينا الشّمس ستّا، ثمّ دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبله قائما فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السّبل فادع الله يمسكها، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثمّ قال: «اللهمّ حوالينا ولا علينا، اللهمّ على الآكام والجبال والآجام والظّراب والأودية ومنابت الشّجر» ، قال: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشّمس. قال شريك: فسألت أنس بن مالك، أهو الرّجل الأوّل. قال: لا أدري «١» . (رواه البخاري) .
[الشاهد في الحديث:]
لما اشتكى الأعرابي قلة المطر، وما نتج عن ذلك من هلاك المواشي والزروع، وجوع العيال لعدم وجود ما يتيعشون عليه من الأقوات، رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى السماء يدعو الله بالغيث، ولم يكن في السماء سحاب مجتمع ولا متفرق، ولا أي شيء من علامات المطر، كما ورد في بقية روايات البخاري، فهاجت ريح شديدة، أنشأت سحابا ثم اجتمع، فصار من كثرته كأمثال الجبال، واستمر المطر أسبوعا، وذلك بفضل بركة دعائه صلى الله عليه وسلم.
وكذلك لما اشتكى الأعرابي من الجمعة المقبلة كثرة المطر دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون المطر على الآكام ومنابت الشجر، فاستجاب الله دعاءه، وهذا الحديث من أعظم دلائل النبوة، حيث استجاب الله الدعاء، وأنشأ السحاب وأمطرت السماء، ليس مع انتهاء الدعاء ولكن مع الدعاء، وهذا من عظيم بركته ومنزلته العالية الرفيعة، عند مولاه سبحانه وتعالى.
(١) رواه البخاري، كتاب: الجمعة، باب: الاستسقاء في المسجد الجامع، برقم (١٠١٣) .