جبريل فناداني فقال: إنّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت» «١» .
وقلت: إن السحاب مأمور بطاعته؛ لأن السحاب آية من آيات الله سبحانه وتعالى مسخر بأمره، قال تعالى: وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ [فاطر: ٩] ، وقد بسطت الحديث هنا مرة أخرى عن هذه التكرمة العظيمة من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، كي يستشعر كل مسلم، ويتيقن منزلة النبي عند ربه، ويتفرع على ذلك الفائدة التالية.
[الفائدة السادسة:]
إذا علمت أخي المسلم عظيم حب الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم، مع أن الله هو الذي تفضل عليه بكل نعمة وتكرم عليه بكل منّة، أما سألت نفسك أخي القارئ، أين أنت من حب النبي صلى الله عليه وسلم؟ والنبيّ صلى الله عليه وسلم هو الذي دلّك على كل خير لتفعله، وبيّن لك كل شر لتتجنبه، ودعا الله لك بكل خير دون أن يراك أو يعرفك، وخبأ دعوته العظيمة إلى يوم القيامة، لينالك من بركتها فتفوز بالمطلوب، وتنجو من المرهوب، ولن تقر عينه وتهدأ نفسه حتى يخرج آخر مسلم من أمته من النار، أخي المسلم هل بادلت نبيك هذا الحب؟ هل شكرت معروفه؟ هل رددت له جميله؟ هل همّك أمره كما همّه أمرك؟ إن كانت الإجابة ب «لا» ، فأسرع أخي المسلم لتعوض ما فاتك، فإذا كان الإنسان مجبولا على حب الخير، وحب من يسدي الخير، حتى وإن لم يصل إليه هذا الخير، فكيف بالذي أسدى إليك الخير، وأخرجك- بفضل الله- من ظلمات الوثنية إلى نور الوحدانية.
ومن علامات حبه صلى الله عليه وسلم، اتباعه وطاعته فيما نحب ونكره، وتعظيم أمر سنته في نفوسنا، والتأدب معه، والتسليم لكل ما أمر ونهى، وأن نفتديه بأموالنا وأنفسنا وأهلينا، وأن نود رؤيته- في المنام- بالدنيا وما فيها، وأن نغضب لكل ما يؤذيه، وأن نحرص على كل ما يرضيه، وأن نقدم أهل بيته الميامين الأطهار على كل أحد، وأن نحب أصحابه الأخيار الأبرار، ونود لو أن نفتديهم بالنفس والنفيس.
واعلم أخي المسلم، أنك لو فعلت ذلك ما كافأته على معروفه، ولا وفّيته حقه، فحقه أعظم من ذلك بكثير، والحمد لله الذي لم يكلفنا ما لا نطيق، ولكن معذرة إليه سبحانه وتعالى على تقصيرنا في حق نبينا، والله من فضله ورحمته يقبل القليل ويبارك فيه، ويعذر
(١) رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب: ذكر الملائكة، برقم (٣٢٣١) .