تخرجهم من دائرة (أمة النبي) ، حتى تشملهم رحمة الله- عز وجل-، وعلينا جميعا أن نتذكر أن بعض طوائف من هذه الأمة سيحال بينهم وبين ورود الحوض، لإحداثهم في الدين ما ليس منه، فإذا أخبرت الملائكة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك، دعا عليهم بالهلاك، في وقت لا يستطيعون أن يرفعوا عن أنفسهم شؤم هذا الدعاء بالتوبة أو العمل الصالح، والعجيب أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يحسبهم من أمته، والظاهر أن ذلك بسبب علامات السجود والوضوء الظاهرة فيهم.
فقد روى البخاري، عن أبي حازم قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «أنا فرطكم على الحوض، فمن ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليرد عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثمّ يحال بيني وبينهم» . قال أبو حازم: فسمعني النّعمان بن أبي عيّاش وأنا أحدّثهم هذا فقال: هكذا سمعت سهلا؟ فقلت: نعم. قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدريّ لسمعته يزيد فيه: قال: «إنّهم منّي، فيقال: إنّك لا تدري ما بدّلوا بعدك، فأقول: سحقا سحقا لمن بدّل بعدي»«١» .
جعل الله- عز وجل- الرسول صلّى الله عليه وسلّم أسوة حسنة لنا، نقتدي به في كل شيء، لذا نقطع أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم معصوم، وأن كل ما فعله، موافق للصواب والحكمة، ظاهرا وباطنا، يرضى عنه الرب- تبارك وتعالى-، ويكافئ عليه خيرا، وإلا فكيف يأمرنا الله باتباع من يزل أو يخطئ، والله لا يأمر إلا بالعدل، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: ٩٠] ، وبالقطع كان صلّى الله عليه وسلّم معصوما؛ لأن الله أمرنا باتباعه المطلق، فلو أن النبي بدر منه أي شيء محرم، حاشا لله، واتبعه أحد في هذا الفعل المحرم امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى-، فلن يخرج أمر المتبع من حالين، إما أن يحمل وزرا، وهذا ينافي كمال عدل الله، وإما أن يثاب وهذا ينافي بالغ حكمته- عز وجل-، فثبتت عصمته صلّى الله عليه وسلّم من
(١) البخاري، كتاب: الفتن، باب: ما جاء في قول الله تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ... ، برقم (٧٠٥١) .