يصدهم، ولا يكون الصد إلا ببذل غاية الجهد بكل قوة، لإثناء الخصم عما يعتقده.
المسألة الثانية: في مقابل تزكية النبي صلّى الله عليه وسلّم، سفهوا أنفسهم بذكر حجتهم علي اعتقادهم الفاسد حيث جعلوا كل حجتهم في عبادة الأوثان هو اتباع الآباء، فعرفوا الحق بالرجال.
والصواب: أن يعرف الرجال بالحق الذي معهم، ولو كانوا يعتقدون أن الذي معهم هو الحق، لتواصوا بالصبر عليه، بدلا من التواصي بالصبر على ما كان يعبد الآباء، يصدق ذلك ما ورد في صحيح البخاري، أن أبا جهل كان يقول لأبي طالب حين حضرته الوفاة:
(أترغب عن ملة عبد المطلب؟)«١» ، وورد فيه، أن آخر ما قال أبو طالب:(هو على ملة عبد المطلب) .
المسألة الثالثة: توجيه أشد التوبيخ إلى الكفار، بما يدل على خفة عقولهم، وسفاهة أحلامهم حيث ذكرت الآية، أن الكفار قد تليت عليهم الآيات البينات الواضحات، التي بمثلها يؤمن أي عاقل لبيب، تليت عليهم من غيرهم، بغير كلفة منهم أو طلب أجر عليها، جاءتهم ولم يأتوا إليها، فلم يتكلفوا حتى مشقة السعي إليها، فردوا تلك الآيات البينات، مقابل ما كان يعبد آباؤهم، وهذا منتهى السفه، وقلة العقل، وبدلا من أن يشكروا فضل من جاءهم بالحق ولم يطلب منهم الأجر، قللوا من شأنه، وذكروه بصيغة النكرة، كأنهم لا يعرفون شرفه وحسبه وصدقه، فقالوا: ما هذا إِلَّا رَجُلٌ، وهذا غاية الجحود.
المسألة الرابعة: يؤخذ من الآية ذم تقليد الآباء والشيوخ، بغير حجة من الله وبينة؛ لأن الواجب على المسلم أن يستمع إلى الآيات البينات، يعمل بما فيها، لأن الله تعبدنا بها، ولو كان في اتباع الآباء حجة عند الله- عز وجل- في رد الآيات البينات، ما وبخ الله الكفار على هذا السلوك.
١٠- تزكية دعوته صلّى الله عليه وسلّم ووصفه بالسراج المنير:
زكى الله- سبحانه وتعالى- نبيه صلّى الله عليه وسلّم بأحسن أنواع التزكيات، ومدحه بأبلغ صفات المديح، فكانت الآيتان كلتاهما لرفع ذكره صلّى الله عليه وسلّم في الدنيا والآخرة، فقد وصفه الله- عز وجل- في هاتين الآيتين بخمس صفات، الأولى: أنه الشاهد على أمته يوم القيامة بما عملوا من خير أو شر وأنه شاهد عليهم بالإبلاغ، الثانية: أنه المبشر برحمة الله تعالى ورضوانه لمن
(١) البخاري، كتاب: الجنائز، باب: إذا قال المشرك عند الموت لا إله إلا الله، برقم (١٣٦٠) ، ومسلم، كتاب: الإيمان، باب: الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ... ، برقم (٢٤) .