للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الطاعات المختلفة، قبل أن يحال بينه وبينها بمرض أو شغل أو موت، فالنبي صلى الله عليه وسلم اجتهد غاية الاجتهاد في صلاة الليل، ثم لم يستطع بعد ذلك أن يصلي واقفا، فصلى جالسا، فالمسلم إذا حدث له ما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم لن يندم لأنه استغل وقته وقوته في طاعة الله على الوجه الأكمل، وضمن الأجر الكامل في حالة مرضه، كما لو كان في حال قوته، والذي يقصر في حال شبابه، سيكون تقصيره أكبر في حال كبره.

[تنبيه:]

لا يجوز للمصلي في صلاة الفريضة، أن ينتقل من الهيئة الأصلية للفرض، إلى الهيئة التي هي أخف منها، إلا إذا عجز عن أداء الهيئة الأصلية للركن، وذلك في كل ركن من أركان الصلاة، فعلى سبيل المثال: إذا تعذر على المصلي أن يقف أثناء قراءة الفاتحة، مع استطاعته أن يركع ولو بمشقة محتملة، فعليه أن يجلس بدل القيام، ولكن إذا أراد أن يركع فعليه أن يقوم، ثم يركع، ولا يجزئه أن يميل جسده بالركوع وهو جالس، وهكذا إذا كان يستطيع القيام ولا يستطيع الركوع، فيلزمه القيام، فإذا أراد أن يركع فليجلس للركوع.

وقد يكون هذا التنبيه خارج الموضوع، ولكني أردت ذكره لوقوع كثير من المصلين فيه، وهو يبطل الصلاة، وذكّرني به ما ورد في حديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع.

٤- تواضعه صلى الله عليه وسلم

كان صلى الله عليه وسلم جمّ التواضع، لين الجانب رقيق القلب، لا يعرف من بين أصحابه حيث لم يميز نفسه بزي معين، ولا بحرس خاص، ولا بقصر مشيد يسكنه هو وأهله، كان يأكل مع الخادم، ويمسح على رأس اليتيم ويقف طويلا في الطريق ليسمع شكوى امرأة مظلومة، وأعظم علامات تواضعه أنه لم يغضب لنفسه ولو مرة واحدة، وأقدم لك أخي القارئ مثالين لتواضعه صلى الله عليه وسلم:

[المثال الأول:]

قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت) «١» .

الشّاهد في الحديث:

على تواضعه صلى الله عليه وسلم ظاهر: فكأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يترك نفسه للأمة تأخذه وتذهب به حيث أرادت ليقضي لها صلى الله عليه وسلم حاجتها، دون أدنى معارضة منه صلى الله عليه وسلم أو


(١) البخاري، كتاب: الأدب، باب: الكبر، برقم (٦٠٧٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>