للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأردت بالإشارة هنا إلى حكمة بلقيس، لنتعلم منها، حسن التصرف وعدم استباق الأمور، وعدم التكذيب أو التصديق، قبل التبين والتحقيق.

٢- أنه سأل عن أقرب الوفد نسبا للرسول صلّى الله عليه وسلّم حيث إنه أدرى الناس به، وأعلمهم بحاله، وحريّ به ألايكذب عليه وهو من أهل قرابته. قال الإمام بن حجر رحمه الله:

(وإنما خص هرقل الأقرب لأنه أحرى بالاطلاع على أموره ظاهرا وباطنا أكثر من غيره، ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه بخلاف الأقرب) «١» .

٣- أنه أمر أن يكون أبو سفيان بين هرقل وبين بقية الركب، فيكون الركب خلف أبي سفيان، فلا يستحيوا أن يكذبوه، ويكونوا أمام هرقل، فيعرف كذب أبي سفيان في وجوههم، وإن لم يصرحوا بذلك، فكان هذا من دهائه وذكائه قال الإمام النووي رحمه الله «إنما فعل ذلك ليكون عليهم أهون في تكذيبه إن كذب، لأن مقابلته بالكذب في وجهه صعبة بخلاف ما إذا لم يستقبل» «٢» .

[الفائدة العاشرة:]

هل كان هرقل يريد حقّا التأكد من صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ أقول: نعم كان يريد ذلك، بل إنه استفرغ جهده ليصل للحقيقة، وذلك أنه سأل عن رجل يعرف النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثم سأل عن أقرب الناس نسبا إليه، ولم يكتف بذلك، بل وضع أصحاب أبي سفيان على الهيئة التي ذكرت آنفا ليتأكد من صدقه، والأعظم من ذلك والأهم- والذي منه نعرف أنه كان يريد الحق- هو استعراض الأسئلة التي ألقاها على أبي سفيان، فلم يسأله عن فروع الشريعة، التي جاء بها النبي صلّى الله عليه وسلّم، والتي قد يختلف فيها، وتكون مجالا للأخذ والعطاء، فتلك الفروع تختلف من شريعة لآخرى، فلا يستطيع أن يناظرها بما عنده من علوم السابقين، بل سأله عن الأصول الكلية للشريعة ليناظرها، مثل صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم وحسبه ونسبه، وبماذا يأمرهم وعماذا ينهاهم؟، وهذه أسئلة من يريد معرفة الحق فعلا، فنتعلم من ذلك أننا إذا أردنا معرفة الحق فيجب أن نأخذه من أقرب مصادره وأوثقها وأصدقها، وهذا ما فعله هرقل عندما سأل عن أقربهم منه نسبا.

كما نتعلم أنه لا يجوز لمسلم، إذا أراد أن يسأل أحدا عن أمور دينه، أن يذهب إلى مبتدع، أو جاهل أو يذهب إلى من يستقي معلوماته من كتب تطعن في الكتاب والسنة،


(١) مسلم، كتاب: الأشربة، باب: آداب الطعام والشراب وأحكامهما، برقم (٢٠١٨) .
(٢) البخاري، كتاب: الوضوء، باب: التسمية على كل حال وعند الوقاع، برقم (١٤١) ومسلم، كتاب: النكاح، باب: ما يستحب أن يقوله عند الجماع برقم (١٤٣٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>