للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوجه الأول:]

نقول كيف تقيسون صفات الله عزّ وجلّ على صفات البشر؟! فتقولون إن حب الله عزّ وجلّ إن حدث منه الحب، يقتضي أن يكون عنده، مثل ما عند البشر من رقة وليونة، والله- تعالى- يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: ١١] .

[الوجه الثاني:]

إن إرادة الثواب ليست هي الحب، فمن ادعى اشتراكهما في المعنى، فقد عارض اللغة التي نزل بها القرآن الكريم، فمعلوم أن الثواب يأتي بعد الرضى والحب.

[الوجه الثالث:]

هل يعقل أن الله- سبحانه وتعالى- يأتي يوم القيامة، يسأل الناس لم أثبتم لي صفة الحب، وهي صفة نقص لا تليق بجلالي؟! مع أنه سبحانه أثبت لنفسه تلك الصفة في كتابه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم في سننه، وعليه فإن المذهب الصحيح، هو مذهب أهل السنة والجماعة، حيث لا اجتهاد مع النص، وقد أثبت الله عزّ وجلّ لنفسه صفة الحب في آيات كثيرة، منها:

قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: ٥٤] ، وتأمل كيف بدأ الله المؤمنين بالحب، فقال: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، كما بدأهم بالتوبة، فقال- تعالى-: ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة: ١١٨] ، بل بدأهم بالرضى فقال- عز من قائل.: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا [المائدة: ١١٩] .

وعلى المسلم الحريص على دينه، ألا يقدم عقلا على نصّ في جميع أمور الدين، سواء كانت مسائل أصولية أو فرعية، وما تفرقت الأمة إلا بعد تقديم العقل على النقل، وإذا كان الله عزّ وجلّ قد تعبدنا بالعقل، فلماذا أرسل الرسل، وأنزل الكتب، والحاصل أن الآية أثبتت أن الله يحب لقوله- تعالى- قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ، وأنه يحب قال- تعالى-:

فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، وكيف تنكرون أن الله يحب وقد أثبت ما هو أعظم من المحبة، بل منتهى المحبة وهو الخلة، لإبراهيم ومحمد- صلى الله عليهما وسلم تسليما كثيرا، قال- تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [النساء: ١٢٥] ، وسيأتي ذلك إن شاء الله مفصلا عند الكلام عن الخلة.

[الفائدة الثانية:]

لما ادعى قوم حب الله عزّ وجلّ، وكان لكل دعوى دليل لإثبات صدقها، اشترط الله لصدق هذه الدعوى- بل أقول: والمثوبة عليها- متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن كانت دعوتهم صادقة اتبعوه، وإلا حادوا عن الاتباع، قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله تعالى: (هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي، والدين النبوي

<<  <  ج: ص:  >  >>