هو قول ضماد: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء.
[بعض فوائد الحديث:]
الفائدة الأولى: في النبي صلّى الله عليه وسلّم:
١- تعظيم الصحابي الجليل، ابن عباس- رضي الله عنهما- لشأن النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ وصف من تكلم في النبي صلّى الله عليه وسلّم بالسفه؛ لقوله:«فسمع سفهاء من أهل مكة يقولون: إن محمدا مجنون» وهذا الذي اعتقده الصحابي، صدق وعدل، فإن كل من يتكلم عن الرسول بما ينقصه، فهو سفيه، لأنه لم يميز بين ما ينفعه وما يضره، ولم يميز بين الحق الذي جاء به الأنبياء، والباطل الذي وجد عليه الآباء، فهو سفيه لأنه لو كان عنده مسحة عقل، لآمن واتبع، وقدّم الباقي على الفاني، واشترى أخراه بدنياه، ولو كان عنده عقل، لتدبر وتفكر في أحوال النبي صلّى الله عليه وسلّم، في صدقه، وأمانته، وتقواه، ونصحه، وجوامع كلمه، وعظمة القرآن الذي أنزل عليه، فعلم- بواحدة من هؤلاء- أنه نبي حقّا وأنه ليس بمجنون.
وعلينا جميعا أن نعتقد سفه من لم يؤمن بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولو أعطي من العقل أكمله فيما يرى الناس؛ لأن العقل إذا لم يدل صاحبه لما خلق له، وهو التوحيد والاتباع، كان هذا العقل في حكم العدم، وقد حكم الله عزّ وجلّ على من لم يؤمن بعدم وجود العقل، مع أننا نرى منه فيما نظن، أنه أعقل الناس، قال تعالى: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ [الأعراف: ١٧٩] .
٢- بيان ما أوتيه النبي صلّى الله عليه وسلّم من جوامع الكلم، وعظيم البيان، وحلاوة المنطق، ورصانة القول، إذ إن ضمادا لما سمع منه خطبة الحاجة، ولم يسمع منه أكثر من ذلك، قال:
«فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغن ناعوس البحر» ؛ أي: وسط البحر ولجته، مع أن ضمادا رضى الله عنه، سمع من كل الطوائف ولكنه علم أن كلام النبوة له طابع خاص يختلف تماما عن كلام الناس جميعا، ولو أن أحدا من الناس تكلم بمثل هذا الكلام من قبل، أو يمكن أن يتكلم به من بعد، ما حكم ضماد بنبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وما تكلم به النبي صلّى الله عليه وسلّم، لهو من أعظم الأدلة على نبوته صلّى الله عليه وسلّم، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.