للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بعض فوائد الآية الكريمة:]

[الفائدة الأولى:]

عظيم حق النبي صلّى الله عليه وسلّم على المؤمنين، قال الشيخ السعدي رحمه الله: (يخبر تعالى المؤمنين خبرا يعرفون به حالة الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومرتبته فيعاملونه بمقتضى تلك الحالة، فقال: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أقرب ما للإنسان، فالرسول أولى به من نفسه، لأنه صلّى الله عليه وسلّم بذل لهم من النصح والشفقة والرأفة ما كان به أرحم الخلق وأرأفهم فرسول الله أعظم الخلق منّة عليهم من كل أحد، فإنه لم يصل إليهم مثقال ذرة من الخير ولا اندفع عنهم مثقال ذرة من الشر إلا على يديه وبسببه، فلذلك وجب عليه إذا تعارض مراد النفس أو مراد أحد من الناس مع مراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم: أن يقدم مراد الرسول وألايعارض قول الرسول بقول أحد كائنا من كان وأن يفدوه بأنفسهم وأموالهم وأولادهم ويقدّموا محبته على محبة الخلق كلهم وألا يقولوا حتى يقول، ولا يتقدموا بين يديه وهو صلّى الله عليه وسلّم أب للمؤمنين كما في قراءة بعض الصحابة «١» يربيهم كما يربي الوالد ولده) «٢» .

وأظن أن ما قاله الشيخ رحمه الله لا يحتاج إلى شرح أو إضافة، فقد جمع وأوعى، فجزاه الله خيرا. وعلى كل مؤمن يريد الله ورسوله والدار الآخرة أن يقارن حاله ومسلكه مع النبي صلّى الله عليه وسلّم بما قاله الشيخ، فيحمد الله على ما عنده وليتمّ النقص والخلل حتى يضمن رضى الله- عز وجل-.

[الفائدة الثانية:]

عظيم حب النبي صلّى الله عليه وسلّم لعموم المؤمنين، حيث كان أشفق وأرأف بهم من أنفسهم. ومن علامات هذه الشفقة والرأفة قيامه بأداء الحقوق التي عليهم في حال عسرهم، روى الشيخان في صحيحهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يؤتى بالرّجل المتوفّى عليه الدّين فيسأل: «هل ترك لدينه فضلا؟» فإن حدّث أنّه ترك لدينه وفاء صلّى وإلّا قال للمسلمين: «صلّوا على صاحبكم» . فلمّا فتح الله عليه الفتوح قال: «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفّي من المؤمنين فترك دينا فعليّ قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته» «٣» .

قال القرطبي: (هذا الحديث تفسير للولاية المذكورة في هذه الآية بتفسير النبي صلّى الله عليه وسلّم


(١) وهي قراءة شاذة ولا يجوز القراءة بها.
(٢) تيسير الكريم الرحمن (١/ ٦٥٩) .
(٣) البخاري، كتاب: الحوالات، باب: من تكفل عن ميت دينا فليس له أن يرجع، برقم (٢٢٩٧) ، ومسلم، كتاب: الفرائض، باب: من ترك مالا فلورثته، برقم (١٦١٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>