للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إزاره، فقال له العبّاس عمّه: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبك دون الحجارة!! قال: فحلّه فجعله على منكبه فسقط مغشيّا عليه قال: فما رئي بعد ذلك اليوم عريانا) . [رواه مسلم] «١» .

[الشاهد في الحديث:]

أن النبي صلى الله عليه وسلّم أغشي عليه بمجرد أن حل إزاره، وما كان ذلك إلا من الله، الحافظ له، قال الإمام النووي رحمه الله: (وفي هذا الحديث بيان بعض ما كرم الله- تعالى- به رسوله صلى الله عليه وسلّم، وأنه صلى الله عليه وسلّم كان مصونا محميّا في صغره عن القبائح وأخلاق الجاهلية) . انتهى «٢» .

والدليل أن هذه الواقعة قد حدثت في صغر النبي صلى الله عليه وسلّم، ما ورد في إحدى روايات مسلم: (لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلّم وعباس ينقلان الحجارة) ، ومعلوم أن واقعة إعادة بناء الكعبة كانت- قطعا- في صغر النبي صلى الله عليه وسلّم

ونلخص مظاهر عناية الله- سبحانه وتعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلّم في هذه الواقعة في أمرين:

[الأمر الأول:]

أنه أغشي عليه، بمجرد أن تعرى، والإغشاء من الله، - تبارك وتعالى؛ لأن الحديث لم يبين بأي سبب كان الإغشاء إلا التعري، فعلمنا أن الإغشاء كان منة من الله، ووجه المنة أن يكون الإغشاء للستر، وفيه ضمان أنه ما تعرى إلا فترة وجيزة من الزمن؛ لأن الإغشاء قد حدث بعد التعري مباشرة، ورد في الحديث: «فجعله على منكبه فسقط مغشيّا عليه» .

[الأمر الثاني:]

أن النبي صلى الله عليه وسلّم ما رئي بعد ذلك عريانا، وهذا إطلاق لكل أنواع التعري، فلا يلزم من كونه صلى الله عليه وسلّم كان يجامع زوجاته أو يغتسل معهن أنه كان يرى عريانا. ونحكم بذلك؛ لإطلاق الحديث، ولأن عدم التعري حتى في حال الجماع والغسل هو من المروءة، وأولى الناس بصفات المروءة النبي صلى الله عليه وسلّم.

ويجب على كل مسلم أن يتدبر هذا الحديث جيدا، فإذا كان الله- تبارك وتعالى- أبى إلا أن يحفظ نبيه صلى الله عليه وسلّم منذ صغره من أمر كان مشهورا في الجاهلية، فكيف كان حفظه- تبارك وتعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلّم في بقية شئونه، وفيها ما هو أعظم من ذلك بكثير خاصة بعد البعثة، أقول: كيف حفظ الله- سبحانه وتعالى- لسان نبيه صلى الله عليه وسلّم؟، وكيف حفظ عقله وقلبه؟


(١) مسلم، كتاب: الحيض، باب: الاعتناء بحفظ العورة، برقم (٣٤٠) .
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (٤/ ٣٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>