للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنبيه هام: لا يفهم من هذا الثناء على المدينة- على صاحبها الصلاة والسلام- وذكر فضائلها ومحاسنها، أنها أفضل من مكة- بلد الله الحرام- أو أنني أريد أن أحبب الناس فيها فحسب، كلا والله، فإن هذا ليس من قصدي، ولكن المقام مقام ذكر المدينة وما ورد فيها، أما بلد الله الحرام فحقها عظيم جدّا يكاد الناس فعلا في غنى عن تذكيرهم به، وأقول على عجل: إنه يكفيها شرفا وعزّا أن فيها بيت الله الحرام قبلة الناس قديما وحديثا، البلدة التي يعظمها الناس جميعا، حتى في زمن الجاهلية، ومن هذا الذي يسعه ألايتوجه إليها بقلبه وبدنه في يومه وليلته خمس مرات، ذكرها الله- سبحانه وتعالى- في القرآن في عدة مواضع في سياق المدح والتشريف والثناء الحسن، كما ذكر لها- عز وجل- عدة أسماء للدلالة على شريف قدرها، كما استجاب الله- سبحانه وتعالى- لدعوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم لها، فجعل القلوب تهوي إليها من مشارق الأرض ومغاربها، ووالله ما تزداد القلوب بزيارتها ورؤيتها إلا شوقا وحنينا إليها، وأقول: إن فيها مزية فوق هذا وذاك لا تشاركها فيها بلدة أخرى أبدا، وهي أن قصدها للحج والعمرة فريضة على كل مسلم ومسلمة، ويستحيل أن تنعقد هذه الفريضة أو تسقط على القادر إلا بالذهاب إليها والمشي في أرضها المباركة زادها الله تشريفا وتعظيما، علاوة على أن فيها الماء المبارك- زمزم- والمقام المبارك- مقام إبراهيم- والحجر المبارك- الحجر الأسود، والمشعر الحرام. فالسعيد السعيد الذي جمع في قلبه حب المدينتين والشوق إليهما، والشقيّ من خلا قلبه من حبهما وزهد في العيش فيهما، وأما من حب إحداهما دون الآخرى فهو المحروم حقّا.

كما يحسن التنبيه إلى أن ما يردده البعض وينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: «من حج ولم يزرني فقد جفاني، ومن جفاني دخل النار» هو حديث موضوع لا أصل له «١» .

٧- الأجر العظيم على سكناها والتحذير من الرغبة عنها:

قال عثمان بن حكيم: حدّثني عامر بن سعد، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«إنّي أحرّم ما بين لابتي المدينة، أن يقطع عضاهها، أو يقتل صيدها» . وقال: «المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها إلّا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلّا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة» . [رواه مسلم] «٢» .


(١) موضوع: أورده الذهبي في «الميزان» (٧/ ٣٩) عن ابن عمر مرفوعا، وقال: هذا موضوع.
(٢) مسلم، كتاب: الحج، باب: فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم ... ، برقم (١٣٦٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>