للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النهار، ولم يحلّ ذلك لأحد غيره، وحتى نتصور كم تعدّ هذه مكرمة للنبي صلى الله عليه وسلم يلزم أن نعرفه حرمة مكة، وهي الفائدة التالية.

[الفائدة الثانية:]

عظيم حرمة مكة، ويتبين ذلك من الأمور التالية:

١- أن الله- سبحانه وتعالى- هو الذي حرم مكة، لما ورد في الحديث: «إن مكة حرمها الله» ، أي: لم يكن تحريمها باجتهاد من أحد، وإضافة تحريمها إلى الله- سبحانه وتعالى- يدل على تعظيم هذا التحريم وغضب الله- سبحانه وتعالى- لمن انتهكه، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بقوله: «ولم يحرمها الناس» .

قال الإمام ابن حجر رحمه الله: (وما ذكر من حديث أنس في البخاري: «إن إبراهيم حرم مكة» . فمعناه: أنه حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده، أو أن الله قضى يوم خلق السماوات والأرض أن إبراهيم سيحرم مكة، أو أن المعنى: أن إبراهيم أول من أظهر تحريمها بين الناس) «١» .

٢- لم تكن مكة في يوم من الأيام حلّا قطّ فتحريمها كان مع خلق السماوات والأرض كما أنها لن تكون حلا أبدا إلى يوم القيامة، ورد في إحدى روايات البخاري: «فإن هذا بلد حرم الله يوم خلق السماوات والأرض وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة» «٢» .

٣- لم يكن إحلال مكة للنبي صلى الله عليه وسلم باجتهاد منه لضرورة الفتح، وإنما كان بإذن من الله عز وجل-، وقد نص الحديث على ذلك: «إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم» .

٤- مما يوضح عظيم حرمة مكة- حفظها الله وزادها شرفا- أن الله لما أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم بالقتال فيها لم يكن الإذن مفتوحا بل كان إذنا مقيدا بوقت معين للضرورة فقط ثم عادت حرمتها مباشرة، ورد بالحديث: «وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس» .

٥- إرادة الله- سبحانه وتعالى- الشرعية إبلاغ الأمة كلها أن حل الحرام لساعة من نهار إنما كان أمرا خاصّا بالنبي صلى الله عليه وسلم وعادت بعدها حراما إلى يوم القيامة، مع إقامة الحجة على كل من أراد الترخص بما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم، ورد في الحديث: «وليبلغ الشاهد الغائب» .

وورد أيضا: «فإن أحد ترخص لقتال الرسول صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا....» .


(١) انظر «فتح الباري» ، (٤/ ٤٣) .
(٢) البخاري، كتاب: الحج، باب: لا يحل القتال بمكة، برقم (١٨٣٤) ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>