١- أنهم لم يخرجوا من الصلاة، ليعيدوا ما صلوه قبل بيت المقدس، وذلك لعلمهم أن ما انقضى من الصلاة قبل معرفتهم تحويل القبلة صحيح مقبول عند الله، وأنهم مكلفون بأوامر الشريعة من وقت العلم، وليس من وقت النزول.
٢- أنهم داروا كما هم في الصلاة، ولم يفعلوا أي ركن بعد الإعلام بتحويل القبلة، وذلك لعلمهم أن الصلاة تبطل، إذا توجه المسلم لغير القبلة، ولو في ركن واحد من أركانها.
٣- علمهم أن هذه الحركة في الصلاة، وهي الاستدارة، لا تبطل الصلاة.
٤- عدم إفتائهم في دين الله بغير علم، وهذا يدل على الفقه وكمال الورع، انظر إلى قول الراوي:(إنه مات على القبلة قبل أن تحوّل رجال وقتلوا فلم ندر ما نقول فيهم) .
٥- كما يتجلى فقه الصحابة في روايتهم للحديث الشريف، وكيفية صياغته، والاعتناء بملابسات الواقعة التي يستنبط منها الأحكام والدروس، وانظر كم استفدنا من قول الراوي:(فداروا كما هم) ، وكل السّنة النبوية جاءت بمثل هذه الصنعة المتقنة، مما جعلنا وكأننا نعيش معهم ونسمع منهم، وهذا الفن لا يأتي به اليوم من يحملون أعلى الشهادات العلمية، من سهولة في الألفاظ، ودقة التعبير والأمانة في النقل، ولو في الشيء اليسير.
والدليل على صحة كل ما فعلوه في الصلاة، أن أمرهم قد اشتهر، وما علق عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم، وسكوته عليه علامة على موافقته للصواب.
[الفائدة الخامسة:]
إعجاب اليهود وفرحهم بأن نتبعهم في شيء من ملتهم، وغضبهم لمخالفتنا لما هم عليه، لقول الراوي:(وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب فلما ولى قبل البيت أنكروا) ، وقد حرص النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يخالف أهل الكتاب في كل شيء.
[الفائدة السادسة:]
اعتناء الله- سبحانه وتعالى- بهذه الأمة، ومن مظاهر ذلك، الإجابة عن كل ما يجول في خاطر أفرادها، ورفع الالتباس عن كل ما يشتبه عليهم بقرآن يتلى إلي يوم القيامة، حتى تكون الأمة على بينة من أمرها، وأمثلة ذلك في القرآن كثيرة، وهذا من أعظم الأدلة على شرف هذه الأمة، وعلوّ منزلتها، وحب الله لها، قال الراوي