للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتفرع على ذلك وجوب أن يتأدب المسلم عند السؤال عن علة أي حكم من أحكام الدين، ويظهر من كلامه أن يسلم بحكمة الله البالغة في كل أمر ونهي، وأنه يسأل سؤال المتعلم لا المتشكك، وأن الأمر عنده لا يختلف كثيرا إذا علم أو جهل حكمة الحكم؛ لأن عنده مطلق الإيمان بالله ورسوله.

ومن أمثلة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يراه أحد، ما رواه الشيخان بإسناديهما عن أسامة رضي الله عنه قال: أشرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم على أطم من آطام المدينة فقال: «هل ترون ما أرى؟ إنّي لأرى؟ مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر» «١» .

قال الإمام ابن حجر- رحمه الله- (أشرف) أي نظر من مكان مرتفع، قوله: (مواقع) أي مواضع السقوط (خلال) أي نواحيها.

قد شبه سقوط الفتن وكثرتها بسقوط القطر في الكثرة والعموم.

وهذا من علامات النبوة لإخباره بما سيكون، وقد ظهر مصداق ذلك من قتل عثمان رضي الله عنه وهلم جرا ولا سيما يوم الحرة، والرؤية المذكورة يحتمل أن تكون بمعنى العلم أو رؤية العين، بأن تكون الفتن مثّلت له حتى رآها، كما مثلت له الجنة والنار في القبلة حتى رآهما وهو يصلي «٢» .

وقال- رحمه الله- في موضع آخر: (والرؤية بمعنى النظر أي كشف لي فأبصرت ذلك عيانا) «٣» .

وأقول: هذا هو الصحيح- إن شاء الله- لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: «هل ترون ما أرى؟» والأقرب أن يكون هذا الاستفهام من النبي صلى الله عليه وسلم لشيء يراه ويبصره بالعين لا لشيء يعلمه، كما أنه لا حاجة لتأويل الرؤية بالعلم حيث إن النقل أثبتها والعقل لا ينفيها، والقول بظاهر النص هو الأسلم.

٨- رؤيته صلى الله عليه وسلم غيره من وراء ظهره:

روي البخاري بإسناده عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هل ترون قبلتي ها هنا؟

فو الله ما يخفى عليّ خشوعكم ولا ركوعكم إنّي لأراكم من وراء ظهري» «٤» .


(١) رواه البخاري (٣٥٩٧) ، ومسلم (٢٨٨٥) .
(٢) انظر فتح الباري (٤/ ٩٥) .
(٣) انظر فتح الباري (١٣/ ١٣) .
(٤) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب: عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة، برقم (٤١٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>