للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا والله الّذي حال بينكم وبين خبر السماء) «١» .

أما حفظه أثناء نزوله، فقد وكّل الله- عز وجل- بإنزاله الروح الأمين، جبريل عليه السّلام، ومع أن جبريل عليه السّلام له صفات عديدة، إلا أن من جمال الآية أنها ذكرت صفة عظيمة تناسب مقام إنزال القرآن وما يحتاج إليه هذا الإنزال من أمانة تقوم على حفظه، فذكرت صفة الأمانة لجبريل عليه السّلام.

أما حفظه إلى قيام الساعة- وهو أهم وأعظم أنواع الحفظ لطول المدة بين النزول وقيام الساعة، وكثرة الحاقدين على هذا الكتاب وما سيقع من فتن عظيمة- فلم يوكل- سبحانه وتعالى- هذه المهمة لأحد أبدا غيره- سبحانه وتعالى- فوعد المؤمنين بحفظه، قال تعالى:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) [الحجر: ٩] ، فضمنّا بذلك أحسن الحفظ وأكمله وأتمه، لأنه حفظ من لا ينام ولا يغافل، ولا ينسى ولا يسهو، حفظ دائم متواصل ممن لا يموت ولا يزول- سبحانه وتعالى-.

وتدبر أخي القارئ كم في آية الحفظ من مؤكّدات، ويكفي أن الله- عز في علاه- قد ذكر فيها نفسه الشريفة المقدسة- خمس مرات- بصيغة الجمع، التي هي صيغة التعظيم، ليطمئن قلب القارئ أن الله سيحفظ كلامه حفظا تامّا يتناسب مع عظمته التامة التي خضع لها كل شيء.

واعلم أخي القارئ أن الآية لم تذكر نوعا معينا للحفظ بل أطلقت الحفظ ليشمل جميع أنواعه: حفظ من الزيادة والنقصان، حفظ من التحريف والتبديل، حفظ لعلومه وفنونه، حفظ لقراءته وتجويده وتلاوته، حفظ لمجالسته ومذاكرته، حفظ في قلوب العباد وفي سطور السجلات، حفظ لحبه في قلوب التالين له العاملين به، وقد تم كل ذلك على الوجه الأتم الأكمل، باتفاق المسلمين وغيرهم.

[الفائدة الخامسة:]

على الداعية إلى الله- عز وجل- أن يملأ قلبه بالقرآن، حفظا وعلما، وتدبرا ودراية، لأن القرآن خير معين له على أداء مهمته الشريفة، وخير حافظ لقلبه من الشكوك والشبهات، استفدنا ذلك أن الله- تبارك وتعالى- قد علل الغاية من نزول القرآن على قلب النبي صلّى الله عليه وسلّم بأن يكون نذيرا.

الفائدة السّادسة:

يؤخذ من الآيات الكريمات أن أفصح اللغات وأبينها وأحسنها، هي


(١) البخاري، كتاب: الأذان، باب: الجهر بقراءة صلاة الفجر (٧٧٣) ، ومسلم، كتاب: الصلاة، باب: الجهر بالقراءة في الصبح ... ، برقم (٤٤٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>