للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمّ لأن يراني أحبّ إليه من أهله وماله معهم» «١» . قال أبو إسحاق: المعنى فيه عندي: لأن يراني معهم أحبّ إليه من أهله وماله. وهو عندي مقدّم ومؤخّر.

قال الإمام النووي- رحمه الله- في شرح هذا الحديث ما نصه: «وتقدير الكلام: يأتي على أحدكم يوم لأن يراني فيه لحظة ثم لا يراني بعدها أحب إليه من أهله وماله جميعا. ومقصود الحديث حثّهم على ملازمة مجلسه الكريم ومشاهدته حضرا وسفرا للتأدب بادابه وتعلم الشرائع وحفظها ليبلغوها وإعلامهم أنهم سيندمون على ما فرطوا فيه من مشاهدته وملازمته» .

انتهى «٢» .

[الفائدة الثالثة:]

إثبات أنه ليس المقصود اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم الظاهرة والباطنة فقط، وإن كان هذا شيئا عظيما في حد ذاته، ولكن ينبغي أن يصحب ذلك حب النبي صلى الله عليه وسلم بالقلب، وليس بالعقل وحده، لأن حب الرؤية بالمال والأهل إنما ينم عن حبّ قلبيّ قد تعلق بمحبوبه أشد التعلق، حتى إنه يشتاق لرؤيته ولو للحظة. والذي جمع بين هذا الحب والاتباع خير قطعا من الذي كان معه الاتباع مع قليل من الحب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكر هذه الفئة في الحديث في سياق الثناء عليهم.

[الفائدة الرابعة:]

وهي متفرقات:

١- شوق المحب إلى رؤية محبوبه تعدّ من أكبر العلامات الدالة على شدة الحب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استفتح الحديث بقوله: «من أشد أمتي لي حبّا» ، ثم ذكر صفتهم ودليل محبتهم بقوله: «يود أحدهم لو رآني بأهله وماله» ، ولذلك أقول: إن من ادعى الحب دون الشوق إلى الرؤية ففي دعواه شيء.

٢- في الحديث مشروعية الدعاء برؤية النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يقدر أن يحقق أماني العبد إلا الله- سبحانه وتعالى-.

٣- يتفاوت المسلمون تفاوتا بينا في حب النبي صلى الله عليه وسلم، فأعظمهم حبّا من يتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم بالمال والأهل، وأدناهم منزلة من لم يفكر في هذا الأمر ولم يشغل باله به.

٤- من الممكن أن يتولد حب الغير في قلب الإنسان من غير رؤيه هذا المحبوب، وقد يصل هذا الحب إلى أعلى درجاته وهو تمني الرؤية بالمال والأهل، ولكن لا يتأتى ذلك إلا


(١) رواه مسلم، كتاب: الفضائل، باب: فضل النظر إليه صلى الله عليه وسلم وتمنيته، برقم (٢٣٦٤) .
(٢) انظر شرح النووى على صحيح مسلم (١٥/ ١١٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>