النبي صلى الله عليه وسلم «إني أرضى وأغضب» ولكن قيد المسألة ببشريته صلى الله عليه وسلم لأن الله- عز وجل- يرضى ويغضب، وليس رضى الرب وغضبه كرضى البشر وغضبهم؛ فرضى الرب وغضبه موافق للحكمة والحق أبدا، وأما رضى البشر وغضبهم، فقد لا يوافق الحكمة والصواب ولو مرة واحدة، لذلك قال صلى الله عليه وسلم:«فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل» .
ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم على من ليس أهلا للدعاء عليه، لا يطعن في النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مأمور بالحكم بالظاهر، ولا يعلم الضمائر والسرائر، كما أننا ضمنا أن هذه الدعوة ستقع زكاة وقربة.
[الفائدة الثانية:]
يقين الصحابة، باستجابة المولى- سبحانه وتعالى- لكل دعوات النبي صلى الله عليه وسلم على المسلمين، سواء كان المدعوّ عليه، أهلا لهذه الدعوة أم لا ونلمح ذلك فيما يلي:
١- بكاء اليتيمة، لما سمعت دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليها ألايكبر سنها، والدليل على اعتقادها استجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قولها:(فالآن لا يكبر سني أبدا) ، فبدأت بقولها:
(الآن) ، أي من وقتها، وليس من اليوم أو الغد، وهذا شعور منها أن الاستجابة من الله فورية، وختمت قولها بلفظ (أبدا) ، لينفي أي أمل لديها أن تكبر؛ إذ كلمة «أبدا» تستوعب كل المستقبل.
٢- خوف أم سليم الشديد من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وشواهده خروجها مستعجلة في حال ربطها الخمار، ولم تنتظر أن تصلح لباسها كاملا قبل الهم بالخروج من البيت، ورد في الحديث:(فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث خمارها) ، بالإضافة إلى ظهور الفزع على وجهها عند مقابلة النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مالك يا أم سليم) ، وتأمل أخي المسلم، كيف قابل النبي صلى الله عليه وسلم فزع أم سليم، بالضحك قبل أن يبين لها ما اشترط على ربه، وذلك حتى يذهب ما تجده من حزن وخوف، وتستطيع أن تستوعب ما تسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.
الفائدة الثّالثة:
أدب الصحابة الجم، مع النبي صلى الله عليه وسلم يتبين ذلك مما يلي:
١- كان هم اليتيمة الوحيد لما رجعت إلى أم سليم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا عليها، ولم تشغل نفسها، هل هي تستحق الدعاء عليها أم لا؟ لذلك لم يكن في كلامها مع أم سليم- رضي الله عنها- أي من مظاهر الشكوى أو الاعتراض، وأقول: إنها لم تشغل نفسها بسبب الدعاء أو تعترض، لأنها تثق ثقة مطلقة بعدل النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا ينطق عن الهوى، وأن