أراد الكفار أن يطعنوا في نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم، بأنه يحتاج، كبقية البشر لأكل الطعام، والمشي في الأسواق ليؤمن حاجاته، فرد الله عزّ وجلّ شبهتهم بقوله- تعالى-: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً [الفرقان: ٢٠] ؛ أي: أن كل الأنبياء قبله كانت عادتهم وطبيعتهم التي فطرهم الله عزّ وجلّ عليها، أنهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق، والنبي صلّى الله عليه وسلّم ليس بدعا من الرسل، قال- تعالى-: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: ٩] .
إذا كان الكفار قد كذبوا بالرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، فقد أقام القرآن عليهم الحجة أنهم قد كذبوا بكل الرسل؛ لأنهم جميعا كانوا يباشرون ذلك، وقد بين القرآن- في عدة مواضع- أن الذي يكذب رسولا، فقد كذب بجميع الرسل، لأن ربهم واحد ودعوتهم واحدة، فقوم نوح أرسل إليهم نبي واحد، ومع ذلك قال الله- سبحانه وتعالى- في حقهم: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: ١٠٥] ، يتفرع على ما ذكر أن الكفار يضاعف عليهم العذاب يوم القيامة؛ لأن الذي يعذب بتكذيبه رسولا واحدا، ليس كالذي يعذب على تكذيب كل الرسل.
[الفائدة الثانية:]
بينت الآية الحكمة من رفع الناس بعضهم على بعض، بما يذهب غيظ قلوبهم، وما يجدونه من حقد وحسد من بعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم، فجعلت الآية تفاضل الناس بعضهم على بعض، فتنة واختبارا، ليرى عزّ وجلّ أيصبرون على ذلك أم لا، ولكن الحسد أعمى قلوبهم، قال- تعالى-: وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: ٣١] .
[الفائدة الثالثة:]
من حكمة الله- سبحانه وتعالى- إرسال المرسلين من جنس من أرسل إليهم، يأكلون ويشربون، يمرضون ويموتون، يتزوجون ويتناسلون؛ قال الله- تعالى-: