للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناس إليه. ورغبتهم فيه، فهذا كله- قطعا- لم يحدث للنبي صلّى الله عليه وسلّم إلى يوم وفاته بسبب تتابع الوحي واتصاله بالسماء.

[الفائدة الثالثة:]

حفظ الله- سبحانه وتعالى- عقل نبيه صلّى الله عليه وسلّم وقلبه إلى يوم وفاته، لأن الوحي ما كان ينزل عليه وقد ذهل عقله أو غفل قلبه صلّى الله عليه وسلّم.

[الفائدة الرابعة:]

حث المؤمن على أن يكون موصولا بالله- سبحانه وتعالى- فترة شبابه وصحته وشغله حتى يضمن أن يكون موصولا بالله تعالى، في حال وفاته.

٣٠- نعيه وتوديعه صلّى الله عليه وسلّم في القرآن:

قال تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣) [النصر: ١- ٣.]

عن ابن عبّاس قال: (كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأنّ بعضهم وجد في نفسه فقال: لم تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنّه من قد علمتم، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم فما رئيت أنّه دعاني يومئذ إلّا ليريهم، قال: ما تقولون في قول الله تعالى إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ؟

فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا. فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عبّاس؟ فقلت: لا. قال: فما تقول؟ قلت:

هو أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلمه له، قال: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وذلك علامة أجلك فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً. فقال عمر: ما أعلم منها إلّا ما تقول) «١» .

[الشاهد في الحديث:]

هو قول ابن عباس، - رضي الله عنهما-: (إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وذلك علامة أجلك) ، وفي رواية: (نعيت إليه نفسه) ، وهذا شرف عظيم لنبينا صلّى الله عليه وسلّم أن يخبره الله بقرب أجله، وينعيه، ولا يكون ذلك إلهاما ولا مناما، ولكن بقرآن يتلى إلى يوم القيامة، في سورة كاملة، هي سورة النصر، ولن نعقل هذا الفضل والشرف، إلا إذا عقل المسلم عظيم شأن القرآن، وأنه لا ينزل إلا في الأمور العظيمة، والأحداث الجسيمة، وكل حرف منه جاء لحكمة وبحكمة.


(١) البخاري، كتاب: تفسير القرآن، باب: قوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً، برقم (٤٩٧٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>