للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صدقا ما بقيت) . وأظن أنه جعل الصدق جزآ من توبته، وذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يتجرأ على الكذب أبدا، فكأنما عاهد الله ورسوله على ذلك.

الفائدة الثّالثة عشرة:

في الحديث ما يجب أن يكون عليه المسلم، من الدعاء لله والتضرع إليه بأن يثبته على الحق، وينجيه من المعاصي والآثام، وألا يركن إلى سبقه للإسلام، أو الصحبة التي هي أعظم الأعمال الصالحة، انظر إلى كعب رضي الله عنه مع ما ثبت عليه من الصدق، منذ أن عاهد الله- عز وجل- عليه، وعلم من نفسه الثبات عليه، وأبلغنا بذلك صريحا في الحديث، إلا أنه لما تكلم عن الصدق فيما يستقبل من الأمور، يقول بصيغة دعاء المفتقر إلى الله: (وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت) ، وهكذا يجب أن يكون سلوك كل مؤمن، في كل أموره الدينية والحياتية.

الفائدة الرّابعة عشرة:

على الشيوخ وأهل العلم، أن يبينوا مراد الله ورسوله من القرآن والسنة أبلغ بيان يزيل اللبس والاشتباه الذي قد يقع للناس، خاصة العوام، وألا يظن الشيوخ أن العوام سيفهمون الآيات مثل فهمهم، والدليل من الحديث، أن البعض قد يعتقد أن معنى أَخْلَفُوا في الآية. أي: تخلفوا عن رسول الله في الغزو، ولما كان هذا المعنى خطأ وقد يتبادر إلى ذهن قارئ القرآن، فقد بيّن كعب أن المقصود بالتخليف إرجاؤهم حتى يقضي الله فيهم أمرا، وقد علمنا الله- عز وجل- دفع الاشتباه والالتباس، ومن أمثلة ذلك في القرآن: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [الطور: ٢١] ، فقد يظن ظان أن إلحاق الذرية بالأب، قد يكون بأخذ بعض الأعمال الصالحة من الأب لرفع درجات الذرية لتلحق بأبيها، فأزالت الآية هذا الاشتباه، أنه لن ينقص من الأب أي عمل صالح، وإنما سيكون الإلحاق تفضلا من الله- عز وجل- وسيلحق الأدنى بالأعلى.

ومن السنة ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» «١» .

[الفائدة الخامسة عشرة:]

في الحديث حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في الغزو وغيره، يبين ذلك قول كعب: (ولم يكن رسول الله يريد غزوة إلا ورّى بغيرها) ، وقوله: (فجلّى للمسلمين أمرهم


(١) مسلم، كتاب: العلم، باب: من سن سنة حسنة ... ، برقم (٢٦٧٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>