إليها حديثا، فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟ ثمّ أسرّ إليها حديثا، فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن، فسألتها عمّا قال، فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى قبض النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فسألتها فقالت: أسرّ إليّ: «إنّ جبريل كان يعارضني القرآن كلّ سنة مرّة وإنّه عارضني العام مرّتين ولا أراه إلّا حضر أجلي، وإنّك أوّل أهل بيتي لحاقا بي» . فبكيت، فقال: «أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنّة أو نساء المؤمنين» . فضحكت لذلك «١» .
٥- الثناء على أصحابه:
أ- الثناء العام في القرآن
(على المهاجرين والأنصار ومن جاء بعدهم) :
قال تعالى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: ١٥٧] .
وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح: ٢٩] .
فقد أثنى الله عليهم بأنهم في معية رسوله صلّى الله عليه وسلّم، أي معه على طريقته وسنته، كما أثنى عليهم بكمال الباطن أنهم أشداء على الكفار وهذا يقتضي بغض الكفار في الله ومعاداتهم والتبرؤ منهم من باب أولى، والصحابه رحماء بينهم، وهذا يقتضي حبهم في الله والولاء فيما بينهم والنصرة.
وتأمل أنه بدأ بالشدة وثنى بالرحمة، فكأن الرحمة في قلوبهم بعضهم لبعض لن تكون إلا بعد بغضهم للكفار، فيجب تطهير القلب أولا من حب الكفار، حتى يتمكن حبّ المؤمنين في القلب، وصدق من قال: التخلية قبل التحلية، فالشدة على الكفار من باب التخلية، كما أثنى عليهم بكمال الظاهر أنهم مستغرقون في عبادة الله عز وجل، يظهرون وهم في أشرف الأحوال (الركوع والسجود) شدة الافتقار إلى الله يبتغون الفضل والرضا.
كما قال تعالى: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر: ٨] .
وقال تعالى في حق الأنصار: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآية [الحشر: ٩] .
كما قال تعالى: وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [الحشر: ١٠] ، وبذلك يكون الله
(١) رواه البخاري، كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، برقم (٣٦٢٤) .