وهي فائدة جليلة، وهي أن الأمر قد ينسب إلى الأمر به، وقد ينسب إلى الموكول بتنفيذه، قال تعالى: أَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء: ١] ، فنسب سبحانه، الفعل إلى نفسه؛ لأنه هو الذي أمر جبريل بالإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم. وقد ينسب الفعل إلى من باشر القيام به، قال:«ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا» فنسب الفعل هنا إلى جبريل؛ لأنه هو الذي باشر العروج بالنبي، مأمورا من الله، وهذه القاعدة، تحل إشكالات قد يقع فيها القارئ. فيقول مثلا: كيف ينسب الله توفي الأنفس إلى نفسه فيقول: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها [الزمر: ٤٢] وينسب ذلك في موضع آخر إلى الملائكة فيقول: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [السجدة: ١١] ، فالأمر كما أسلفت، أن الله عز وجل هو الآمر بقبض الروح، وهو الذي جعل لها أجلا تقبض عنده، أما ملك الموت، فهو الذي وكلّ بقبض الروح، عند حلول الأجل المسمى.
[الفائدة الحادية عشرة:]
بيان علو منزلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وارتفاعه فوق منازل سائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وبلوغه حيث بلغ ما بلغ من ملكوت السموات، وهو دليل على علو درجته وإبانة فضله، هكذا قال القاضي عياض، حيث ورد في الحديث:«حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام» .
وأقول: عجبت أشد العجب، لمن يتقولون على الله ورسوله، ويذكرون أحاديث موضوعة، ويختلقون حكايات هي أشبه بالأساطير، يريدون بذلك، أن يرفعوا من مكانة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم في الحقيقة يتبغضون إليه بتلك الحكايات والأقاويل، ويعدون لأنفسهم مقاعد في النار، بشرى النبي صلى الله عليه وسلم لهم في قوله:«من كذب عليّ فليتبوّأ مقعده من النّار» .
أقول لهم: إن لم يكن للنبي فضيلة، في كتاب ولا سنة، إلا أنه ظهر لمستوى يسمع فيه صريف الأقلام، لكفاه ذلك رفعة وسؤددا، وإثباتا لفضله وشرفه ومكانته، عند ربه عز وجل، فما بالكم بما يحتويه الكتاب من شمائل عظيمة في كل ما يخصه وفي كل شئونه، ما ترك الله له من شيء، حتى جعل له من ذلك آية على شرفه، من شعر رأسه إلى أصابع قدمه، ومن ولادته حتى مماته، ومن أحبائه حتى أعدائه، ومن دنياه حتى آخرته، كل ذلك ولله الحمد ثبت في القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فلماذا التقول على الله بغير علم؟ قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [النور: ٦٣] .