للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطنه في نار جهنّم خالدا مخلّدا فيها أبدا» «١» ، أما ما نقله صاحب الفتح عن الداودي قوله:

(يريد تلك النار لأنهم يموتون بتحريقها فلا يخرجون منها أحياء) . فهذا مستبعد جدّا؛ لأن لا أحد من الصحابة يتصور أنه لو ألقى بنفسه في النار أنه سيخرج منها حيّا، خاصة إذا كان هو الذي ألقى بنفسه فيها متعمدا، وأظن أن الأمر الذي كان يريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوضحه لأصحابه في هذا المقام هو الحكم الشرعي الذي يتعلق بدخول النار، وليس طبيعة النار، ويؤيده ما ورد أيضا عند البخاري: «لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة» .

[الفائدة الحادية عشرة:]

نقل الحافظ ابن حجر- رحمه الله- عن الشيخ أبي محمد بن أبي جمرة قوله: (وفيه أن من كان صادق النية لا يقع إلا في خير، ولو قصد الشر فإن الله يصرفه عنه) «٢» ، وهذا حكم يحتاج إلى دليل بذاته، ولا ينهض ما ورد في الحديث، وهو واقعة عين، أن يكون حكما عامّا.

ومن الخطأ أن نقول: إن صادق النية لن يقع إلا في خير، والأسوأ أن نقول: ولو قصد شرّا، فالذي يقصد الشر قد أساء النية، ولكن نقول: الأمر لله إن شاء نجاه وإلا فلا، وقد وقع كثير من الناس (خاصة العوام) صادقي النية في شرور كثيرة لقلة علمهم واتباعهم الغير بدون سؤال أو دراية، وهذا مشاهد لا يحتاج إلى دليل، وخطورة هذه الأحكام بالإضافة إلى أنها حكم على الله بغير دليل، أنها تستلزم منا أن نحكم على كل من وقع في شر أنه سيئ النية وهذا حكم خطير.

٩- الوعيد الشديد لمخالفة سنته صلى الله عليه وسلم:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلمّا أخبروا كأنّهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر. قال أحدهم: أمّا أنا فإنّي أصلّي اللّيل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدّهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النّساء فلا أتزوّج أبدا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: «أنتم الّذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله إنّي لأخشاكم لله وأتقاكم له لكنّي أصوم وأفطر وأصلّي وأرقد وأتزوّج النّساء فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» «٣» .


(١) البخاري، كتاب: الطب، باب: شرب السم والدواء به ... ، برقم (٥٧٧٨) ، ومسلم، كتاب: الإيمان، باب: غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه ... ، برقم (١٠٩) .
(٢) انظر «فتح الباري» (٨/ ٦٠) .
(٣) البخاري، كتاب: النكاح، باب: الترغيب في النكاح، برقم (٥٠٦٣) ، ومسلم، كتاب: النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ... ، برقم (١٤٠١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>