شيء، وكان غيره خيرا منه، نزلت الآية لإرشاده إلى أحسن الأفعال وأفضل الأخلاق، وكان يمكن أن يوجهه النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، ولكن نزل قرآن يعلمه ويربيه، كما أن له فضلا آخر، أنه أعاد النفقة إلى مسطح، دون إنقاص شيء، لقول عائشة رضي الله عنها:(فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه) ، مع أن أبا بكر كان يجد غضاضة في نفسه من تلك النفقة، ولكن ليس عندهم غضاضة في أمر الله ورسوله، امتثلوا حقّا لقول الله: إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور: ٥١] . ولم يقل أبو بكر- ولكن- وهي الكلمة التي ابتلينا بها في هذه الأيام.
وفيه أيضا وجوب أن يظهر العبد افتقاره إلى الله- عز وجل- وحاجته للمغفرة، فالله يحب ذلك. قال الصديق:«والله إني لأحب أن يغفر الله لي» .
٤- نتلمس في الآية لطيف خطاب القرآن الكريم مع الصحابة، حتى في العتاب والإرشاد، قال تعالى: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور: ٢٢] . فجاء الإرشاد الرباني بصيغة الحث والتحريض، ثم ختمت الآية بتبشيرهم برحمة الله ومغفرته إن هم فعلوا ذلك، وهذا أيضا من لطيف الخطاب حيث لم يتوعدهم بالعقوبة إن لم يفعلوا، بل توعدهم بالمغفرة إن فعلوا، والمغفرة هي أعظم ما يبشّر به المسلم، إذ هي تقي تبعات الذنوب، وتضمن سترها يوم القيامة وهي مأخوذة من المغفر الذي يلبسه المحارب، يستر وجهه فيقيه من ضربات الأعداء، فالمغفر يستر ويقي.
الدرس التاسع والأربعون: حب الله- عز وجل- للصدقة والإنفاق
حيث إنه كافأ صاحبها بالمغفرة والرحمة.
[الدرس الخمسون: في الحديث منقبة عظيمة لأم المؤمنين زينب بنت جحش]
، فبالرغم من أنها كانت تسامي عائشة، في حب الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت تلك فرصة لها أن تستأثر بالحبيب صلى الله عليه وسلم إلا أنها كانت ورعة تقية، لم تتحمل أذنها وبصرها، سماع كلمة تسيء لأم المؤمنين، ولم تجد الغيرة التي تجعل الإنسان أعمى البصر والبصيرة، تجاه من يغار منه إلى قلبها سبيلا، ولكن كما قالت عائشة رضي الله عنها:(فعصمها الله بالورع) ، وكفى بالله عاصما.
[الدرس الحادي والخمسون: بقدر الورع الذي يكون مع المسلم]
بقدر ما يعصمه الله- سبحانه وتعالى- من الزلات والسيئات، وإذا أراد المسلم أن يعلم قدر ما عنده من الورع،