للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قبورنا ويلهمنا إجابة الملكين، إنه نعم المولى ونعم المجيب.

تنبيه: قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله- ما نصه: (واختلف أيضا في النبي صلى الله عليه وسلم هل يسأل) «١» ، أقول- والله تعالى- أعلم: لا ينبغي أن يطرح هذا الاحتمال أصلا؛ وذلك للأسباب التالية:

أ- علو قدره صلى الله عليه وسلم فوق الخلق كلهم جميعا فكيف يسأله من هو أقل منه مرتبة.

ب- السؤال يستلزم إقعاد المسئول، وأعتقد أن إثبات ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم من سوء الأدب مع مقامه الرفيع.

ج- لم يأت دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يسأل في قبره، فعدم الخوض فيه أولى بل أوجب، خاصة إذا كانت صورة السؤال لا تناسب مقام النبوة.

د- ما الحكمة من سؤال النبي صلى الله عليه وسلم في قبره، حيث إن الناس يسألون؛ فتنة لهم في قبورهم وامتحانا، ونجزم قطعا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى لن يتعرض لأدنى فتنة أو اختبار، لما ورد في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة- رضى الله عنها- عند موته: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم» «٢» ، فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لن يتعرض لأدنى أدنى أذى أو فتنة أو امتحان، وأنه في أمن وأمان من ذلك طوال فترة البرزخ اللائقة به صلى الله عليه وسلم إلى يوم أن يحشر ويستفتح الجنة، مرورا بنشر الصحف وإقامة الموازين وضرب الصراط على ظهراني جهنم والمرور عليه، والوقوف بين يدي ربه- تبارك وتعالى- شافعا ومشفعا في الخلق كلهم جميعا، كل هذا وغيره لن يمسه فيه صلى الله عليه وسلم أدنى خوف أو فزع.

فإن قال قائل: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لن يتعرض قطعا لسؤال القبر وفتنته، فلماذا كان يتعوذ من هذه الفتنة كثيرا خاصة قبل السلام من الصلاة؟

قلت: كان صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك عبودية لله تبارك وتعالى، وإعلان الافتقار إليه والحاجة لعونه ومدده، وتعليما للأمة.

[الفائدة الثانية:]

الثناء الحسن على النبي صلى الله عليه وسلم وذكره الطيب المبارك دائم وموصول إلى يوم القيامة، ليس فوق الأرض فحسب بل تحتها أيضا، فها هو كل مؤمن يشهد له بالعبودية والرسالة، ويشهد أن ما جاء به هو الحق والهدى.

[الفائدة الثالثة:]

الإيمان الذي ينجي العبد في قبره وبين يدي ربه، هو الإيمان الذي لا


(١) انظر «فتح الباري» (٣/ ٢٩٣) .
(٢) البخاري، كتاب: المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، برقم (٤٤٦٢) ، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>