للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤- في الحديث ذم الجهل والحث على العلم الشرعي؛ لأن الذين فضلوا الرخاء وسعة العيش على سكنى المدينة إنما كان لجهلهم بفضل المدينة وكذلك جهلهم بما ينفعهم في الدنيا والآخرة.

٥- في الحديث الحث على الصبر في سبيل الله، وأن تحمل الشدة والجهد مع الاحتساب قد يكون خيرا للمسلم من سعة العيش، فليس السعة والرخاء محمودين دائما، كما يؤخذ من الحديث مشروعية أن يضر العبد بدنه ابتغاء مرضاة الله- عز وجل- وطلبا لثواب الآخرة، ودليله أيضا أن قدم النبي صلى الله عليه وسلم كانت تتشقق وتتورم وهو قائم يصلي بالليل.

٦- سعة علم الله- سبحانه وتعالى- واطلاعه على القلوب والضمائر، حيث علم من الذي يدع المدينة رغبة عنها وزهدا فيها، وهو عمل قلبي قطعا، كما يؤخذ من الحديث قدرته- عز وجل- وحبه للمدينة، حيث أبدلها عن كل من رغب عنها من هو خير منه، كما نتعلم من الحديث أن حبه- سبحانه وتعالى- للشيء لا يستلزم خلوّه وتصفيته من كل ما يكدّره وينغصه، فالله- عز وجل- يحب المدينة ومع ذلك فإن فيها الشدة والجهد.

[إليك أخي القارئ شاهدا على عمل الصحابة بهذا الحديث:]

روى مسلم: عن أبي سعيد مولى المهريّ: أنّه جاء أبا سعيد الخدريّ ليالي الحرّة فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرة عياله، وأخبره ألاصبر له على جهد المدينة ولأوائها، فقال له: ويحك، لا آمرك بذلك، إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصبر أحد على لأوائها فيموت إلّا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة إذا كان مسلما» «١» .

بعد استعراض هذه الفضائل الكريمة لمدينة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم ومسجده، نعلم يقينا فضل الحبيب صلى الله عليه وسلم ومنزلته العالية الرفيعة عند ربه إذ أحاط مدينته ومسجده بكل أنواع التشريف والتكريم، ولا يفوتني أن أذكر أجلّ وأحسن ما في المدينة وهي أنها تشرفت بوجود البقعة المباركة التي ضمت الجسد الشريف الطاهر للنبي صلى الله عليه وسلم، فحقيق بها أن ترفع عقيرتها بين مدن الأرض كلها جميعا، وقد أورد النووي رحمه الله قول القاضي عياض ونصه: (أجمعوا على أن موضع قبره صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض، وأن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض، واختلفوا في أفضلهما ما عدا موضع قبره صلى الله عليه وسلم) «٢» .


(١) أخرجه مسلم، كتاب: الحج، باب: الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها، برقم (١٣٧٤) .
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (٩/ ١٦٣- ١٦٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>