(ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك) . فكأنه شعر بقرب أجله، يصدق ذلك قول الراوي:
(ثم لم يلبث ورقة أن توفى) ، وهذا أمر مشاهد.
[الفائدة الخامسة عشرة:]
أن مسلك الكفار مع كل الأنبياء واحد، لا يختلف باختلاف العصور، ولا باختلاف الرسل، أو حتى باختلاف الحضارات والثقافات، ونعلم أيضا، أن سنة الله- عز وجل- في الأرض، هي العداء المستحكم بين الحق والباطل، وأنهما لن يرتفعا ولن يتفقا، والدليل قول ورقة:(لم يأت رجل قط بمثل بما جئت به إلا عودي) ، فإذا كان الأنبياء وهم أحياء يؤمرون بأمر الله، ومعهم المعجزات الظاهرات البينات، لم يسلموا من معاداة الكافرين وإيذائهم، فهل يسلم أتباع الأنبياء من عداوة الكفار؟! من ظن هذا فقد وهم، ويصدّق ما اعتقده ورقة، قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣)[إبراهيم: ١٣] .
يتضح من الآية أن الكافرين لن يرضوا من الأنبياء إلا بأمرين، إما الخروج من أرضهم أو أن يعودوا إلى ملتهم، وترك ما هم عليهم من الدعوة إلى الله- عز وجل-، فهذا هو نهج كل كافر في أي عصر، مع أي رسول في أي وقت، انظر كيف كان ورقة بن نوفل على يقين من إخراج الكافرين للرسول حيث قال:(إذ يخرجك قومك) .
[الفائدة السادسة عشرة:]
يتفرع على ما سبق، أن أهل الحق كلما كانوا للأنبياء أشد طوعا واتباعا، كان الكفار لهم أشد عتوّا وعداء، ومن ثمّ إذا وجدنا الكفار يحبوننا ولا يعادوننا، فيجب علينا أن نراجع ما نحن عليه من إيمان، فقد يكون فيه دخن، جعل بيننا وبين الكافرين حبّا، ولكن في بعض الأوقات قد يداهن الكفار المؤمنين لضعفهم وقوة أهل الحق.
[الفائدة السابعة عشرة:]
لا تكون النبوة إلا في الرجال، لقول ورقة:(لم يأت رجل قط) ، ويؤيد ذلك قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ [يوسف: من الآية ١٠٩] .
[الفائدة الثامنة عشرة:]
لم يخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم، من مكة مهاجرا إلى المدينة اختيارا، لطلب راحة البال أو سلامة الجسد، بل إنه أخرج منها مكرها، ولولا ذلك ما خرج، لقول ورقة:
(إذ يخرجك قومك) ، وكراهة النبي صلّى الله عليه وسلّم لأمر الخروج وترك مكة نستشعرها من قوله:«أو مخرجيّ هم» .
[الفائدة التاسعة عشرة:]
في الحديث منقبة لعائشة رضي الله عنها حيث إنها ذكرت كل ذلك عن