للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هـ- فيه موازنة من الشارع الحكيم حيث أوصى الأولاد بحسن معاملة الوالدين، ورتب العقوبة على العقوق، وفي المقابل أوصى الآباء برحمة الأولاد والشفقة عليهم والعدل في المعاملة والعطية.

ولكن انظر أخي القارئ إلى كمال وجمال الشرع الذي سنه الحكيم الخبير، لما كان عقوق الأولاد للآباء أكثر تكرارا، وأعظم صورة وأشد وقعا على الآباء، الذين هم سبب وجود الأبناء، تكرر الوعيد الشديد والتهديد العظيم في القرآن والسنة على عقوق الوالدين، ولما كان عقوق الآباء للأولاد، أقل تكرارا وأخف صورة، والآباء هم الأصل والأبناء هم الفرع، لم يأت تهديد الآباء كتهديد الأبناء لا من حيث تغليظ العقوبة ولا من حيث تعدد مرات ذكرها، لعدم الحاجة إلى ذلك.

وهذا مسلك الكتاب والسنة في جميع الأقضية وأضرب لذلك مثالا آخر، فأقول في قضية لعان الزوجين، لما كان الزوج غالبا هو الصادق ويندر منه اتهام زوجته بالزنا كذبا، قال تعالى: وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ [النور: ٧] ولما كانت المرأة في الغالب هي الكاذبة لدفع تهمة الزنا عن نفسها وكذلك دفع حد الرجم، قال تعالى: وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور: ٩] ، فألزم الله- سبحانه وتعالى- غضبه للمرأة الكاذبة، ولعنته للرجل الكاذب، ومعلوم أن الغضب أشد من اللعن، لذلك اختص الله اليهود بالغضب.

[الفائدة الثانية:]

لم تقتصر مظاهر شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على الحث على تقبيل الأولاد، وعموم الرحمة، بل تعدى الأمر إلى ملاعبتهم وإدخال السرور عليهم وحملهم إذا تطلب الأمر ولو في الصلاة. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتّى يقول لأخ لي صغير: «يا أبا عمير ما فعل النّغير» «١» .

وأيضا: روى أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه (أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليّ وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها) «٢» .


(١) البخاري، كتاب: الأدب، باب: الانبساط إلى الناس ... ، برقم (٦١٢٩) مسلم، كتاب: الآداب، باب: استحباب تحنيك المولود ... ، برقم (٢١٥٠) .
(٢) البخاري، كتاب: الصلاة، باب: إذا حمل جارية صغيرة ... ، برقم (٥١٦) ، مسلم، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: جواز حمل الصبيان في الصلاة، برقم (٥٤٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>