للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل أصحاب النبي أكثر من ذلك بكثير، وقد أوردته مفصلا في أماكن متفرقة من هذا الكتاب، فلله الحمد والمنة.

مما سبق من كلام هرقل نقطع بأنه كان يعترف بنبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم، وانظر إلى قوله أيضا:

(وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظنه فيكم) ؛ لأنه كان يظن أنه سيخرج من بني إسرائيل.

[الفائدة الثامنة عشرة:]

قد يؤخذ مما سبق، أن أغلب الناس لا يؤبه لرأيهم ولا يعتد بقولهم، وكما قلت: هم على دين ملوكهم، يؤمنون إذا آمن الملوك، ويكفرون إذا كفر الملوك، هذا في الغالب، وبذلك تنهار فكرة الديمقراطية من أساسها، والتي يقصد بها حكم الشعب للشعب عن طريق الشعب، وقد عوضنا الإسلام بالشورى عن الديمقراطية.

[الفائدة التاسعة عشرة:]

في الحديث أن أهل الباطل، ولو كانوا أقوياء فإنهم يخافون من أهل الحق ولو كانوا ضعفاء، انظر إلى فارق القوة بين الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهرقل وقت إرسال هذه الرسالة، ومع ذلك يقول أبو سفيان في الحديث: (إنه ليخافه ملك بني الأصفر) .

[الفائدة العشرون:]

يؤخذ من الحديث أن الفلاح والرشد، إنما يأتيان بالتمسك بتعاليم الإسلام، وكذا من أراد أن يثبت ملكه، لقول هرقل لعظماء الروم لما دعاهم يعرض عليهم الإسلام: (يا معشر الروم هل لكم في الفلاح والرشد وأن يثبت لكم ملككم) ، وقد أشار الله- عز وجل- إلى ذلك في قوله: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء: ١٠] ، أي: شرفكم، وهذا هو المشاهد في القرون الأولى المفضلة كيف كان فيها للمسلمين الرشد والفلاح والعزة والشرف؟!.

الفائدة الحادية والعشرون: يؤخذ من الحديث، أن في الملك والكراسي والمناصب فتنة عظيمة، فيؤدي ذلك إلى هلاك من يقدمها على الحق، وقد لا يتصور أحد ذلك، إلا إذا نظر إلى هرقل، كيف كان على يقين لا يساوره فيه شك أن رسول الله محمد صلّى الله عليه وسلّم هو النبي المنتظر، وذلك من قوله: (كنت أعلم أنه خارج) . وقوله: (ولو أني أعلم أني أخلص إليه لأحببت لقاءه) ، وكذلك كل تعليقاته في أجوبة أبي سفيان رضي الله عنه، مع ما قاله لعظماء الروم لما اجتمع بهم، فأراد فعلا أن يسلم، ولكنه أراد أن يجمع بين الإسلام والملك، فلما عجز عن ذلك، فضل الملك الفاني على الإسلام الباقي، وباع الآخرة بالدنيا، وهذا درس لنا جميعا أن المنصب والإسلام قد لا يجتمعان، فانظر أيهما تختار، هذا هرقل اختار المنصب فكم بقي معه، وكم تمتع به، بل الصحيح أن نقول: كم عذّب به من يوم أن مات، حتى تقوم الساعة، وبعد الساعة يكون الأمر أدهى وأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>